للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الاعتكاف وحكمه]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

الاعتكاف: هو اللبث والحبس والملازمة لبيت الله سبحانه وتعالى، يقول الإمام الشافعي الاعتكاف معناه: لزوم المرء شيئاً وحبس نفسه عليه براً كان أو إثماً.

فهذا معناه اللغوي، فالإنسان إذا حبس نفسه على عمل معين والتزمه فهذا اسمه اعتكاف، عكف على كذا، أي التزمه.

ومنه قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:٥٢] أي: ملازمون لعبادتها، وحابسون أنفسكم عن غيرها.

قال تعالى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف:١٣٨] أي: ملازمون على عباده الأصنام من دون الله سبحانه وتعالى.

وقال تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:١٨٧]، إذا انعكف على الشيء، بمعنى: التزم الشيء وحبس نفسه عليه.

وسمي الاعتكاف اعتكافاً؛ لأنك تحبس نفسك في بيت الله عز وجل، وتلازم بيت الله سبحانه للعبادة في وقت معين من السنة، أو في وقت معين من شهر رمضان.

ويسمى الاعتكاف: اعتكافاً وجواراً، فيصح أن يقال: معتكف أو مجاور لبيت الله.

وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وهو مجاور في المسجد وأنا حائض فأرجله) أي: تغسل وتسرح شعره عليه الصلاة والسلام وهي حائض، وهذا فيه: بيان جواز أن تمس المرأة الحائض زوجها حتى وإن كان معتكفاً، فيجوز لها أن ترجل شعره، وقد كانت غرفة النبي صلى الله عليه وسلم بابها إلى مسجده صلى الله عليه وسلم، فكان يقف على باب غرفته صلى الله عليه وسلم ويدني رأسه فتغسل له رأسه، وترجل شعره صلوات الله وسلامه عليه.

ولعل في تسمية الاعتكاف مجاورة أنه: مجاورة لبيت الله سبحانه، وفيه معنى الجوار وهو الحماية، فأنت في بيت الله سبحانه وتعالى تنتظر فضل الله عليك سبحانه، وفي حمايته ملازم لبيته سبحانه وتعالى، فالذي يجاور يرجو من الله الحماية والرعاية والعناية والنصر والتأييد والفضل والكرم.

المعنى الشرعي للاعتكاف: هو اللبث في المسجد من شخص مخصوص، بنية مخصوصة، واللبث: هو المكث في المسجد، من شخص مخصوص: وهو المسلم البالغ العاقل أو المميز، وإذا كانت مسلمة فتكون طاهرة من الحيض ومن النفاس.

فهو الإنسان الطاهر الذي يلازم المسجد، وأما الجنب فلا يجوز أن يمكث في المسجد، وعليه أن يغتسل ثم يأتي إلى بيت الله سبحانه.

والاعتكاف سنة، ولا يجب إلا بالنذر، فإذا نذر المسلم أن يعتكف وجب عليه، وأما إذا لم يوجد نذر فهو سنة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، فالذي ينذر نذراً فيه طاعة لله فليفعل.

ويستحب الإكثار من الاعتكاف، وليس في رمضان فقط بل يستحب في أي وقت من السنة، ويتأكد استحبابه في العشر الأواخر من رمضان، فقد كان يواظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم بحسب ما يتيسر له، فكان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، والغرض من الاعتكاف الحرص على ألا تفوته ليلة القدر.

جاء في الحديث الذي أخرجه أبو نعيم في الحلية، والقضاعي في مسند الشهاب عن أبي عثمان قال: كتب سلمان إلى أبي الدرداء: يا أخي! عليك بالمسجد فالزمه فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المسجد بيت كل تقي) أي: أن لزوم المسجد دليل على تقوى العبد، فالذي يلازم بيت الله سبحانه سواء في اعتكاف أو في غير اعتكاف، ويكثر من تواجده في بيت الله سبحانه، فيجلس ما بين الصلاة إلى الصلاة، ويحرص على حضور حلقات العلم، ويحضر مع الناس صلوات الجماعة والنافلة من تراويح ونحوها، فهذا من ضمن الأشياء التي يلتزم بها المسلم ليكون ملازماً لبيت الله.