للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم القبلة والمباشرة للصائم]

القبلة للرجل هي أن يقبل امرأته في نهار رمضان أو المباشرة بمعنى مس بشرة الجلد بأن يضع يده على خدها أو على يدها، فهل يجوز له ذلك؟ روى الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال: يا رسول الله! أقبل وأنا صائم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، فجاء شيخ فقال: أأقبل وأنا صائم؟ فقال: نعم)، قال الراوي (فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض، إن الشيخ يملك نفسه).

فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يجيب الرجلين بإجابتين مختلفتين، فضروري أن يحصل عند الجالسين عنده شيء من اللبس، ولكن استحيوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا له: أنت نسيت أو أنت قلت الذي مضى، فنظر بعضهم إلى بعض فبادرهم صلى الله عليه وسلم قبل أن يقولوا ذلك فقال: (إن الشيخ يملك نفسه)، إذاً: العلة هي أن الشاب قد لا يملك نفسه، إذاً: القبلة نفسها ليست محرمة وحكمها حكم المضمضة بالماء، فالمضمضة لا تفطر الصائم إذا لم يبالغ فيها ويسبقه الماء إلى جوفه، فكذلك هذا الشاب إذا كان يملك نفسه يجوز له أن يقبل زوجته، أما الشيخ فالعادة أنه يملك نفسه فيجوز له.

وجاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وكان أملككم لإربه) أي: كان أملككم لعضوه ولشهوته صلوات الله وسلامه عليه، فهو أملك الناس لشهوته عليه الصلاة والسلام.

وأيضاً جاء في مسند الإمام أحمد أن الأسود قال: (قلت يا عائشة! أيباشر الصائم؟ قالت: لا)، والمباشرة مس البشرة كالتقبيل وغيره ثم قال: (قلت: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم؟ قالت: إنه كان أملككم لإربه) أيْ: السيدة عائشة تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها رضي الله عنها، ولكن كأنها علمت من حال هذا وأمثاله أنهم لا يملكون أنفسهم إذا قبلوا، فقد يقعون في الجماع فيصبح عليهم القضاء والكفارة وقد لا يقدرون على ذلك، فالشاب يجوز له أن يقبل وهو صائم إذا كان يملك نفسه، وإذا كان لا يملك نفسه فلا يجوز له.

وجاء في الحديث أن عمر رضي الله عنه قال: (هششت فقبلت وأنا صائم) أي: أصابه شيء من السعادة والفرح والحبور فقبل امرأته وهو صائم، ومن ثم تذكر أنه وقع في خطأ فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قلت: يا رسول الله! صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو مضمضت وأنت صائم؟!).

هذا الحديث يدل على استخدام القياس الصحيح (لو مضمضت وأنت صائم؟ فقال: قلت: لا بأس به، فقال: فمه؟) أي: مثلك يفهم هذه المسألة من البداية طالما أنك لم تقع في الجماع فلا شيء عليك لفعلك ذلك.

وجاء في صحيح مسلم عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وابن السيدة أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجها الأول أبو سلمة رضي الله عنه، فـ عمر كان شاباً وليس شيخاً كبيراً فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أيقبل الصائم؟) أي: هل ممكن أن أقبل زوجتي وأنا صائم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (عن هذا اسأل أمك، فسألها فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له).

فالحديث الأول فيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم منع الشاب من القبلة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه وأمثاله لا يملكون أنفسهم، وأنهم لو قبلوا قد يقعون في الجماع بعد ذلك فكأنه منعه من باب سد الذريعة.

إذاً: إذا قبل الرجل امرأته وهو صائم فلا شيء عليه في ذلك إلا إذا كان لا يملك نفسه فيقع في الجماع حتى لا يفسد على نفسه الصوم.