للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وقول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥]، وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك)).

فقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا} [البقرة:١٦٥] أنداد: جمع ند، والند: المثيل والنظير، يعني: جعل لله عز وجل مقابلاً له يعطيه صفات الله سبحانه وتعالى ويعبده من دون الله سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] أي: يحبون هؤلاء الأنداد كحب المؤمنين الله سبحانه وتعالى، أو يحبون هؤلاء الأنداد بنفس القدر الذي يحبون به الله سبحانه وتعالى.

إذاً: فالمشركون وزعوا المحبة التي لا تكون إلا لله بين الله وبين الأصنام والأوثان ومن يعبدونهم من دون الله، فهم قسموا المحبة بين الله سبحانه وبين هؤلاء الذين عبدوهم من دون الله، فكفروا بالله وأشركوا به، والله أغنى الشركاء عن الشرك، لا يقبل هذه المحبة حتى يكون الحب خالصاً له وحده لا شريك له، فيحب الله لأنه الإله الذي يحب، ولا يحب غيره على أنه إله.

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] أي: والذين آمنوا أشد حباً لله من هؤلاء في حبهم لله ولمعبوداتهم من دون الله سبحانه وتعالى.

وذكر الله عز وجل جزاء المشركين يوم القيامة، فقال: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:١٦٥ - ١٦٦].

فقوله تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} [البقرة:١٦٥] أي: لو يروا هذا العذاب العظيم وما يحدث فيه ويحدث منهم، من تبرؤ من هذه الآلهة التي عبدوها من دون الله، وقراءة الجمهور: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} [البقرة:١٦٥] وقرأها نافع وابن وردان عن أبي جعفر بخلفه، وابن عامر ويعقوب: (ولو ترى) والخطاب للنبي صلى.

فقوله تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} [البقرة:١٦٥] أي: إذ يرون بأعينهم العذاب، وقرأ ابن عامر: {إِذْ يُرَوْنَ الْعَذَابَ} [البقرة:١٦٥] بضم الياء يعني: يريهم الله سبحانه وتعالى هذا العذاب يوم القيامة فيرون أن القوة لله جميعاً، أو على القطع {إِنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة:١٦٥]، إذاً: يرون ذلك ويعلمون أن القوة لله جميعاً، أو يقول الله سبحانه في هذا الحال: {إِنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [البقرة:١٦٥] وهذه قراءة أبي جعفر ويعقوب، وبكسر (إن): {إِنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة:١٦٥].

ويوم القيامة سيرى المشركون ما كان من أمرهم في الدنيا، وما كان من شركهم بالله سبحانه، فإن الجزاء يوم القيامة، إذ يرون القوة لله وحده لا شريك له، لا قوة لأشياعهم وأتباعهم، ولا قوة لآلهتهم التي عبدوها من دون الله سبحانه، ورأوا أن الله شديد العذاب.

قال الله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا} [البقرة:١٦٦] الآلهة والكبراء {مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة:١٦٦] ممن كانوا وراءهم يتبعونهم ويعبدونهم من دون الله، إذاً: تبرأ المتبوعون الذين هم السادة الكبراء والآلهة الباطلة التي عبدت من دون الله سبحانه من الذين اتبعوهم، والذين ساروا وراءهم في الدنيا.

وقوله تعالى: {تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:١٦٦] أي: رأوا عذاب الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} [الفجر:٢٥] {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:٢٦].

أي: لا يعذب عذاب الله عز وجل أحد، ولا يقدر أحد أن يعذب كعذاب الله سبحانه، ولا أن يوثق هؤلاء كما يوثقهم ربهم سبحانه، ويربطهم في نار جهنم والعياذ بالله، فهؤلاء يتبرأون ويقولون لله سبحانه: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص:٦٣] والملائكة الذين عبدوا من دون الله يقولون: {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:٤١].

قال سبحانه: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:١٦٦]، أي: ما كان في الدنيا من أسباب ومنافع تصل بين الناس، فيتصل الإنسان بالإنسان عن طريق النسب، وعن طريق المصاهرة ومن الأسباب الاحتياج، هذا يحتاج لذاك، وهذا يتقرب من هذا لمنفعة، فيقطع هذا كله يوم القيامة، وتقطعت بهم أسباب المواصلة فلم يعد يتصل بعضهم ببعض يوم القيامة، {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة:١٦٧] أي: التابعون {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [البقرة:١٦٧] أي: لو نرجع ثانياً إلى الدنيا {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا} [البقرة:١٦٧] أي: لو نحن نرجع مرة أخرى إلى الدنيا ونتبرأ من هؤلاء مثلما تبرأوا منا الآن، ولا مرجع إلى الدنيا مرة ثانية إنما هي مرة واحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>