للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الله الحافظ والمعين]

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك حتى الصغار من أصحابه، ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه يقول: (كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك)، وفي رواية عند أحمد قال: (يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت: بلى)، يا غليم تصغير له، فقد كان صغيراً رضي الله عنه، والغلام: هو الصبي الذي كاد يبلغ، وهو المراهق الذي راهق الحلم، وكان عمره حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة، وهذا يدل على أنه كان صبياً رضي الله عنه حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

وكأنه صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين أن يعلموا أولادهم التوحيد فيشب الصغير وهو يعرف توحيد الله سبحانه ولا يشرك به شيئاً.

قال في رواية الترمذي: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)، ومعنى: حفظك لله أي: حفظك لدين الله ولأوامره ونواهيه وذلك بفعل الأوامر وترك المناهي، وأن تخاف من الله سبحانه وتعالى، فأنت حينئذ حافظ لكتابه ولسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ومحافظ على دينك، فالله عز وجل يحفظك ويحافظ عليك، ومعنى: (احفظ الله تجده تجاهك)، أي: في كل مأزق وفي كل شيء صعب وقعت فيه تجد الله عز وجل معك يحفظك، (إذا سألت فاسأل الله)، هنا يعلمه التوحيد، وأن يدعو الله عز وجل ولا يدعو أحداً سواه، قال: (وإذا استعنت فاستعن بالله)، أي: اعتقد أن الذي ينفعك ويعينك هو الله سبحانه، ولم ينف أن يستعين الإنسان بغيره فيما لا يقدر عليه، فالمؤمن يجعل الله عز وجل وكيله ويكون اعتماده كله عليه سبحانه، ولا يمنع أن يجعل وكيلاً له من الناس يقوم ببعض حوائجه، فهذا معنى وذاك معنى آخر، فالوكالة في الدنيا: أن يقيم الإنسان شخصاً نائباً عنه في أمر يقدر عليه أو لا يقدر، فالوكالة مبناها على النيابة والأمانة، مع الاعتقاد أنه إذا طلب من الناس أن يعينوه في حمل شيء أو تيسير شيء من الأمور أنهم أسباب وأن الذي يفعل ذلك هو الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يقدر الجميع على ذلك، فهو نعم الوكيل، ونعم الناصر، وهو الذي يقدر الأقدار، ولا نافع ينفع معه ولا ضار يضر معه سبحانه، إذا اعتقد ذلك فلا مانع أن يستعين بالناس فيما سخر الله بعضهم لبعض، وفيما جعل الله فيه بعضهم لبعض سخرياً، ولابد من الاعتقاد كذلك أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العبد إذا أراد شيئاً والله لا يريده فإنه لن يكون، وإذا أراده الله يسره به أو بغيره، فنتيجة أي عمل يقوم به العبد الله هو الذي يملكها وحده لا شريك له.

<<  <  ج: ص:  >  >>