للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قدرة الله فوق كل قدرة]

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)، فالنبي صلى الله عليه وسلم حين يجيش الجيوش لقتال الكفار في سبيل الله كان يعتقد بقول الله سبحانه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧] فعلى المؤمن أن يأخذ بالأسباب في نصرة دين الله وبجمع المؤمنين للجهاد في سبيل الله، ولكن لابد من الاعتقاد أن النصر من عند الله وليس بأيدي هؤلاء.

لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يصحح مفاهيم الصحابة حين يخطئ بعضهم في الفهم مثل سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين ظن أنه من الأقوياء، وحين ظن أن الأقوياء من الصحابة فضل في القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم سيفاً شديداً قوياً وقال: أعطني هذا السيف، لعلك تعطيه من لا يبلي بلائي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهب فضعه من حيث أخذته)، فلما ظن سعد أن له قوة وأن له عاملاً من عوامل النصر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل تنصرون إلا بضعفائكم)، فهل هنا بمعنى النفي، أي: ما تنصرون إلا بضعفائكم.

وربما يقول قائل: إن القوي هو الذي يقاتل ويقهر عدوه، ولكن الحديث يقول غير ذلك، وهو أنكم إنما تنصرون بالضعفاء، فالضعيف في وقت القتال أشد الناس دعاءً لله عز وجل وتضرعاً واستغاثة به سبحانه، فيأتي النصر مع دعاء هذا الضعيف، ويكون هذا النصر في الأصل من عند الله سبحانه القائل: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:١٢٦]، فينبغي على المسلمين أن يأخذوا بالأسباب ويجمعوا الجموع للجهاد في سبيل الله، وأن يعتقدوا أن هذه الأسباب التي يسر الله عز وجل لهم النصر بها، ليست وحدها النصر إنما النصر من عند الله سبحانه وتعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧].

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، أي: لو اجتمع الناس أن يضروا إنساناً ما قدروا إلا بشيء قد قدره الله، فينبغي على الإنسان ألا يتحسر ولا يغضب ويقول: لو كان كذا لكان كذا، فالله قد قدر له هذا الشيء أن يكون فما عليه إلا أن يرد أمره إلى الله سبحانه ويصبر على ما ابتلاه الله عز وجل به، وليعلم أن هذا من قدر الله سبحانه، وما كان ليفر من هذا القدر أبداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>