للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم تعليق التمائم]

قال: وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله ل)، وفي رواية: (من تعلق تميمة فقد أشرك)، والرواية الأولى ضعيفة والثانية حسنة، ومعنى الحديث صحيح، فإن من تعلق تميمة فقد أشرك، والتمائم كما يقول المنذري: هي خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات.

كأن يعلق خرزة زرقاء في بيته، أو يعلق خمسة وخميسة، أو يعلق في سيارته قرن من أجل أن تمنع عنه ضراً يظن أنه سينزل به أو في بيته أو سيارته.

فالاعتقاد أن هذه الأشياء تنفعه أو تدفع الضر وتمنع العين والحسد شيء لم يشرعه صاحب هذه الشريعة العظيمة، ولكن شرع لنا غيره، كقراءة آية الكرسي، والرقية بفاتحة الكتاب، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، فهذه رقية مشروعة، وتلك أشياء مخترعة مبتدعة لم يأمرنا الله عز وجل بها، بل نهينا عنها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي ينفع ويضر هو الله سبحانه، وهو الذي يشرع لنا أسباباً شرعية تمنع الضر عن الإنسان إلا إذا قدره الله عز وجل له، فمن استخدمها فقد وحد الله؛ لأنه أخذ ما أتاه من عند الله سبحانه تبارك وتعالى وعمل به معتقداً أن الله وحده هو الذي ينفع ويضر، ومن تركها وأخذ بغيرها فكأنه يعتقد أن هذا الغير له أن يشرع مع الله عز وجل، فيقول له: اعبد هذا الحجر، وتوكل على هذا الصفر، وضع هذه الحديدة في مكان كذا، فترك أمر الله وأخذ أمر غيره، وأشرك به سبحانه؛ لأنه اعتقد أن هذا ينفع ويضر وقد نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فوقع في الشرك من حيث لا يحتسب.

وهناك رواية أخرى عند الإمام أحمد وصححها الشيخ الألباني رحمه الله عن عقبة بن عامر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد)، جاء هؤلاء الرهط للنبي صلى الله عليه وسلم يبايعونه فبايع تسعة منهم وأمسك عن العاشر لم يبايعه صلى الله عليه وسلم، (فقالوا: يا رسول الله! بايعت تسعة وأمسكت عن هذا)، أي: لم تبايع هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إن عليه تميمة).

فالرجل كان عليه تميمة وهي علامة الشرك، وجاء يبايع على التوحيد، قال: (فأدخل يده فقطعها)، كأن الرجل كان يلبس على رقبته قلادة قد وضع فيها خرزة أو غيرها، فأدخل يده فقطعها فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من تعلق تميمة فقد أشرك).

هذا الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن معاني الأحاديث السابقة صحيحة، ولكن الذي صح لفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو هذا الحديث الأخير وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فقد أشرك).

يقول: [ولـ ابن أبي حاتم عن حذيفة -هذا موقوف على حذيفة رضي الله عنه-: أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه، وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] وفي رواية عن عروة قال: دخل حذيفة على مريض فرأى في عضده سيراً فقطعه أو انتزعه، ثم قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦]، فكأن حذيفة بن اليمان الصحابي الجليل دخل على المريض الذي أصابته الحمى وقد ربط على ذراعه ربطتين ففهم حذيفة أن هذا الرباط وضعه الرجل من أجل أن يمنع الحمى، ولم تجر العادة أن الحمى تذهب بمثل ذلك، إنما الذي جرت به العادة أن يوضع المريض في إناء فيه ماء، وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن الحمى من فيح جهنم، وأن هذا الماء يطفئ نار الحمى، أما أن يعلق خيطاً على يده فكأنه اعتقد أن هذا الخيط ينفعه من هذه الحمى مع الله عز وجل، فـ حذيفة أخبره أن هذا من الشرك، قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦].

وروى وكيع عن حذيفة أنه دخل على مريض يعوده فلمس عضده فوجد بها خيطاً فقال: ما هذا؟ قال: شيء رقي لي فيه، أي: أن الخيوط أو السيور كان يقرأ عليها، أو يدعى بدعوات أو غير ذلك، ثم تعطى له فيعلقها، ويظن أن الخيوط هي التي تنفع وليس الله سبحانه، وهذا لم تأت به الشريعة إنما الشرع هو أن تدعو للمريض أو تقرأ وتنفخ عليه.

فقطع حذيفة ذلك وقال: لو مت وهو عليك ما صليت عليك، أي: لو أنك مت والخيط على يدك لما كنت صليت عليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>