للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحريف مشركي العرب لأسماء الله سبحانه وتعالى]

قال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم:١٩ - ٢٠].

فقوله: (أَفَرَأَيْتُمُ) بمعنى: أخبروني عن هؤلاء: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى)، أي: القسمة بهذه الطريقة غير مرضية عندكم أنتم كبشر.

وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:١٩] قراءات، وهذه قراءة الجمهور، وقراءة رويس عن يعقوب: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَّ وَالْعُزَّى)، بتشديد التاء كأنه اسم فاعل، ولكل قراءة تفسير، فالقراءة الأولى بالتخفيف وهي قراءة جمهور القراء، فمعناها: أنهم حرفوا أسماء الله سبحانه وتعالى، وادعوا له الإناث، وهذه هي القسمة التي وصفها الله عز وجل بأنها قسمة ضيزى، فقال: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم:٢٢]، أي: قسمة فاسدة وجائرة كاذبة، وقسمة ظالمة لا يرضاها الإنسان لنفسه، فضلاً عن أن يرضاها لله سبحانه وتعالى، وهي قولهم: هؤلاء الذكور لنا، وهؤلاء الإناث لله سبحانه.

تعالى الله عما يقولون علواً كبير، فهؤلاء المشركون ألحدوا في أسمائه سبحانه وتعالى، فحرفوا اسم الله وقالوا: اللات.

والأصل هو الله، إلا أنهم جعلوا هذا الاسم أنثى فقالوا: (اللَّاتَ)، وسموا بها صنماً من أصنامهم، وكذلك (العزى)، شجرة من الأشجار، قالوا: إنها بدل العزيز، وكذلك مناة الثالثة الأخرى.

فحرفوا أسماء الله سبحانه وتعالى وأطلقوها على أصنام لهم، يقولون: إن اللات صنم كانت لثقيف كما سيأتي.

و (العزى) كان لقريش، وبني كنانة، و (مناة) لبني هلال، وقيل: كانت لهذيل وخزاعة.

يقول الأعمش: سموا (اللَّاتَ)، من الإله، والعزى من العزيز، قال الطبري: وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله تعالى فقالوا: اللات مؤنثة منه.

وقالوا: الأصنام بنات الله، وأخذوا لأنفسهم الذكور، ودفنوا بناتهم في التراب لأنهن يجلبن لهم العار بزعمهم، فرفضوا البنات وجعلوها لله عز وجل، فجعلوا الأصنام على أسماء الإناث، وقالوا: الملائكة بنات الله، والأصنام بنات لله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

يقول: وقالوا كذلك: (العزى) من العزيز، يقول ابن كثير: اللات كانت صخرة بيضاء منقوشة في بيت في الطائف مغطاة بأستار ولها سدنة، وحولها فناء عظيم معظم عند أهل الطائف، فأهل ثقيف ومن تبعهم يفتخرون بها على غيرهم من العرب.

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدم هذا البيت وحرقه بالنار، فأهل الكفر كانوا يعبدون أصناماً، وهذه الأصنام أو الأوثان كانت على هيئة جسد، أو على هيئة شجر، أو على هيئة بيوت أو صخر عظيم، وأصل هذه الصخرة كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كانت عند رجل يلت بها السويق للحجيج، فلما مات عكفوا على قبره، وهذا ذكره الإمام البخاري، وقال ابن عباس: كان يبيع السويق والسمن عند صخرة، ويسلؤه عليها، فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف الصخرة إعظاماً لصاحب السويق.

وهناك روايات أخرى لهذه القصة وهي أن الرجل كان يصنع طعاماً للحجيج ليكرمهم فكانوا يحبونه، فلما توفي هذا الرجل عبدوا الصخرة التي كان يصنع عندها السويق، وهذا يدل على خفة عقولهم، فكيف يعبدون صخرة كان يعجن عليها الطعام؟! وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنه: كان الرجل يلت السويق على الحجر فلا يشرب منه أحد إلا سمن فعبدوه، والسويق هو دقيق الشعير، أو دقيق السلت، وهو نوع من أنواع الحبوب بين الشعير وبين القمح، فكان يصنع لهم السويق ويعجنه بلبن، وبعد ذلك يغلبه، ثم يعطيه للحجيج، فكانوا إذا أكلوا منه يسمنون، فزعموا أن له فضلاً وعبدوا هذا المكان الذي كان يجلس فيه الرجل من دون الله سبحانه وتعالى فهذه هي اللات.

إذاً: (اللَّاتَّ) بتشديد التاء، وهو الرجل الذي كان يلت السويق.

واللَّات بتخفيف التاء هي الصخرة التي كانت تعبد من دون الله، فعبدوا الصخرة وعبدوا الرجل من دون الله سبحانه.

أما وَالْعُزَّى فيقول ابن جرير الطبري: كانت شجرة عليها بناءٌ وأستار بين مكة والطائف في موضع اسمه نخلة يمر به الحجيج، وكانت قريش يعظمونها ويعبدونها من دون الله، ولذلك قال أبو سفيان للمسلمين في يوم أحد: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (ألا تجيبونه؟ فقالوا: بماذا نجيبه؟ فقال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم).

فالعزى لا تنفع ولا تضر ولكن الله سبحانه وتعالى هو ولينا وهو الذي ينصرنا، وليس لكم نصير من دون الله سبحانه وتعالى.

وجاء في الحديث الذي رواه النسائي، وابن مردويه من حديث أبي الطفيل: (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى، وكانت على ثلاث سمرات، -والسمر شجر الشوك- فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أرجع فإنك لم تصنع شيئاً، فرجع خالد رضي الله عنه فلما أبصرته السدنة أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى! يا عزى!) يدعون العزى من دون الله سبحانه، والسادن يطلق على خادم المعبد، فهؤلاء السدنة أمام هذه الشجرة أو هذا البيت.

قال: (فأتاها خالد بن الوليد رضي الله عنه فإذا هي امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها فعلاها بالسيف فقتلها، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تلك العزى)، يعني: كأن هذه المرأة كانت كاهنة، فتجلس بداخل هذا البيت، فيأتون إليها وينادونها فتجيبهم فيظنون أن هناك إلهاً في هذا البيت، ويسألونها فتصدق في أشياء -كما ذكرنا قبل ذلك أن الشياطين يلقون عليها ما يأتون به من خبر السماء، ويزيدون في الخبر الصادق مائة كذبة فتكذب هي بهذه الأخبار وربما تصدق- فتكون فتنة للعباد.

والحديث رواه الطبراني وفيه يحيى بن المنذر اختلفوا في توثيقه وتضعيفه.

وأما (مناة) فكان بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة، وهو الإله الثالث، وكأنه تحريف لأسم من أسماء الله سبحانه: المنان، فسموا هذا الصنم منان، ثم أدخلوا عليه التأنيث.

وقيل: لكثرة ما يمنى عندها من الدماء، فبدل أن يذبحوا في منى ذبحوا في هذا المكان وسموه بذلك، وكانوا يتبركون به.

يقول الإمام البخاري رحمه الله في حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها: إنها صنم بين مكة والمدينة.

قال ابن هشام: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فهدمها عام الفتح.

إذاً: الأصنام التي كانوا يعبدونها وهم في الجاهلية إما على هيئة صنم أو على هيئة بيت، أو على هيئة شجرة، فكلها أصنام عبدوها من دون الله سبحانه وتعالى.

والغرض أن الصنم ليس معناه أنه الشاخص على هيئة الآدمي فقط، بل إن أي شيء يعبده الإنسان من دون الله سبحانه فهو صنم، وهو وثن، وإن كانوا يفرقون أحياناً بينهما فيقال: الصنم: ما كان على هيئة شخص، والوثن: أي شيء يعبد من دون الله سبحانه، أو يعكسون، لكن الغرض أن هذه الأشياء لم تكن بالضرورة على هيئة الأشخاص.

فكل بيت يعبد من دون الله فهو صنم، وكل حجر يعبد من دون الله فهو صنم، وكل شجرة تعبد من دون الله فهي صنم كذلك، فهؤلاء عبدوا هذه الأشياء من دون الله سبحانه، يقول الله عز وجل مسفهاً لهم: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى} [النجم:٢١].

أي: أقبلتم لأنفسكم الذكور وتبرأتم من البنات، وتنسبون إلى ربكم وخالقكم سبحانه ما تأنفون أنتم منه، أين عقولكم؟! {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم:٢٢]، أي: قسمة جائرة، وهذه قراءة الجمهور، وقراءة قنبل عن ابن كثير (ضئزى) أي: جائرة.

قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [النجم:٢٣].

يعني: هذه الأشياء التي زعمتم أنها آلهة ما هي إلا أسماء، وليس لها من حقيقة التسمية شيء، والله سبحانه وتعالى اسم ومسمى واحد، فالله الاسم، والله المسمى المألوه المعبود، وكل أسمائه سبحانه تدل على صفات حقيقة له، أما غيره من المخلوقين فيكون له اسم وقد لا يكون له حض ونصيب من هذا الاسم، فيكون الإنسان اسمه ممدوح مثلاً، ويكون مذموماً عند الناس، وهذا اسم على غير مسمى، كذلك الأوثان التي عبدوها قال الله عز وجل: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ} [النجم:٢٣]، لا تتجاوز ذلك، كأسماء البشر، فيمكن للإنسان كبشر أن ينفع ويضر بإذن الله، ولكن هذه الأشياء لا تنفع نفسها ولا غيرها، قال: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم:٢٣]، أي: ليس عليها حجة بأيديكم أنها من عند الله سبحانه.

{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} [النجم:٢٣]، هي مجرد شهوات باطلة في أنفسهم يريدون بها الفخر لهم ولقبائلهم.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:٢٣]، أي: جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم ومعه هذا القرآن العظيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>