للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط)]

يذكر المصنف رحمه الله حديثاً رواه الترمذي عن أبي واقد الليثي وإن كان لم يسق لفظ الترمذي، ولكنه قريب مما ذكر هنا، وكذلك الشرح ذكر منه لفظ آخر.

لفظ الترمذي في الحديث -وهو أيضاً عند الإمام أحمد - عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة توجه لقتال هوازن والطائف فخرج إلى حنين عليه الصلاة والسلام ومر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط كانوا يعلقون عليها أسلحتهم، وكان معه من جنود الإسلام من أهل المدينة عشرة آلاف مقاتل عليه الصلاة والسلام، وكان معه الطلقاء الذين دخلوا في الإسلام بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة وكانوا ألفي مقاتل، فدخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومروا وهم ذاهبون ليجاهدوا معه عليه الصلاة والسلام على شجرة للمشركين تسمى: ذات أنواط.

والنُوط أو النَوط الشيء الذي يعلق به، يقال: مناط الحكم، يعني: متعلق الحكم، وهذه ذات أنواط، يعني: ذات علائق، تعلق بها السيوف، فلما كان المشركون يذهبون للقتال يمرون على هذه الشجرة ويعلقون بها السيوف يرجون بذلك حصول البركة.

فاعتقدوا أن الشجرة تنفع وتضر، وهذا كفر بالله وشرك به سبحانه.

فقال هؤلاء: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ يعني: اصنع لنا شيئاً نتبرك به، وهكذا فالإنسان عندما يكون حديث عهد بالإسلام قد يتكلم بكلام الكفر ويعذر بجهله في ذلك.

أما الصحابة الأفاضل الذين تربوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقولون ذلك، إنما يقول ذلك من كان إسلامه حديثاً، وجهل معنى الإسلام.

فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (سبحان الله! لقد قلتم كما قال قوم موسى: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:١٣٨]).

لأن بني إسرائيل لما نجاهم الله سبحانه وتعالى من فرعون وجنوده، وأغرق فرعون أمامهم ونجاهم من البحر سرعان ما كفروا بربهم سبحانه أو طلبوا أشياء هي في حقيقتها شرك بالله، وذلك أنهم قالوا: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:١٣٨]، وذلك أن معاشرة الكفار تجعل في نفس الإنسان شيئاً من التشبه بهم، فقوم موسى كانوا في مصر، وأهل مصر عباد أوثان، فقد كانوا يعبدون الشمس من دون الله، ويعبدون فرعون، ويصنعون أصناماً للفراعنة ويعبدونها من دون الله.

فلما خرج بنو إسرائيل من هناك كان موسى يدعوهم ويعلمهم عليه الصلاة والسلام فكأنهم حنوا لما كان عليه قبط مصر من عبادة الأصنام، فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا: نريد إلهاً مثلهم، قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:١٣٨].

أي: إنكم تجهلون ربكم سبحانه وتعالى، وتقعون في الشرك بأقوالكم من حيث لا تدرون.

وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إنكم قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى).

ثم قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لتركبن سنة من كان قبلكم)، هذا اللفظ للترمذي، والحديث رواه أيضاً الإمام أحمد بألفاظ أخرى قريبة من هذا اللفظ، وشارح كتاب التوحيد يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله أكبر)، وهذه إحدى روايات الإمام أحمد والسُنن جمع، والسَنن مفرد، (قلتم: والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:١٣٨])، وفي رواية قالوا: ونحن حدثاء عهد بكفر، فكأنه عذرهم صلى الله عليه وسلم، وإلا لقال لهم: قولوا: لا إله إلا الله مرة أخرى؛ حتى ترجعوا إلى الإسلام، ولكن كأنه عذرهم لما هم فيه من جهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>