للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم النذر لغير الله]

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما ما نذر لغير الله كالنذر للأصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك فهو في منزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات.

والذي يحلف بغير الله معظماً غير الله سبحانه فإنه يشرك بالله سبحانه، فإذا حلف الإنسان وهو يقصد تعظيم هذا الشيء، كأن يحلف بالشمس والقمر أو بالأصنام فقد كفر الكفر الأكبر، وإذا كان هذا مما يجري على اللسان ولا يدري بذلك فيقال له: قل لا إله إلا الله لأنه وقع في الشرك الأصغر بذلك.

ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: الحلف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة، كذلك الناذر للمخلوقات فإن كلاهما شرك والشرك ليس له حرمة بل عليه أن يستغفر الله من هذا ويقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف وقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله).

لقد كانوا قريب عهد بشرك فكان على لسانهم: واللات والعزى وكان يحلف الرجل بأبيه أو بأمه فنهاهم الله عز وجل عن ذلك على لسان النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (من حلف فليحلف بالله أو ليصمت).

ثم قال: من نذر للقبور أو نحوها دهناً لتنور به وقال: إنها تقبل النذر كما يقول بعض الضالين.

فإن هذا النذر نذر معصية باتفاق المسلمين لا يجوز الوفاء به، وكذلك إذا نذر مالاً للسدنة أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة، يعني: لا يجوز الوفاء بذلك، كأن يذهب إنسان إلى مكان فيه بدع وأناس يدعون غير الله كقولهم: المدد يا فلان، ويطلبون منه أن يمدهم، ومعنى أمدنا، أي: أعطنا، فتجده يقول: مدد يا بدوي، مدد يا أبو العباس، مدد يا آل البيت، وهؤلاء قد ماتوا وإن كانوا من الصالحين ومن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كـ العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وغيرهم من آل بيته ولكنهم ماتوا وأمرهم إلى الله عز وجل فأنت تنتفع بعلمهم وبما تركوه من تفسير وغيره.

أما أن يعطيك مدداً فإنه لا يملك لنفسه فضلاً أن يملك لك، فالذي يطلب المدد من الأموات يطلب ما لا يعطيه إلا الله سبحانه وتعالى فهو مشرك بالله عز وجل.

وحاشا لله سبحانه وتعالى أن يجعل واسطة بينك وبينه سبحانه، وقد قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦]، وقال: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر:١٤].

يقول: والمجاورون لهذه القبور فيهم شبه من الذين قال فيهم الخليل عليه الصلاة والسلام: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:٥٢]، الذي يجاور القبر ويكون خادماً له ويدعو الناس إلى النذر للميت، وكأن هذا الميت سينفعهم والذي ينفع ويضر هو الله والميت لا يملك لنفسه شيئاً ولا لغيره.

قال الرافعي في شرح المنهاج: وأما النذر للمشاهد التي على القبور أو على قبر ولي أو شيخ أو على اسم من الأولياء أو اسم من حلها من الأولياء أو تردد في تلك البقعة من الأولياء والصالحين؛ فإن قصد الناذر بذلك -وهو الغالب أو الواقع من قصور العامة- تعظيم البقعة والمشهد أو الزاوية أو تعظيم من دفن بها أو نسبت إليه أو بنيت على اسمه فهذا النذر باطل غير منعقد.

والرافعي من أئمة الشافعية فيذكر أن الذي ينذر نذراً لقبر من القبور أو لمكان حله ولي من الأولياء أو مكان حله إنسان من الصالحين ويقصد بهذا النذر أن يتقرب به إلى هذا الصالح قال: وهو قصدهم الغالب قال: فهذا باطل غير منعقد؛ فإن معتقدهم - يعني: الناذرين- أن لهذه الأماكن خصوصيات، ويرون أنها مما يدفع بها البلاء ويستجلب بها النعماء.

فتجده يقول: أنا عندما ذهبت إلى المكان الفلاني قضيتي نجحت، ولما ذهبت إلى سيدي فلان أو الشيخ فلان كسبت قضيتي، فيعتقدون أنه يطوف بغير الكعبة ويظن مع ذلك أنه بتقربه لهذا المكان سينجح في عمله.

فهذا من الشرك بالله سبحانه وتعالى.

قال: ويعتقدون أنه يستشفى بالنذر لها من الأدواء حتى إنهم ينذرون لبعض الأحجار لما قيل لهم: إنه استند إليها عبد صالح.

قال: وينذرون لبعض القبور السرج والشموع والزيت ويقولون: إنها تقبل النذر كما يقوله البعض، يعنون بذلك أنه يحصل به الغرض المأمول من شفاء مريض أو قدوم غائب، قال: فهذا النذر على هذا الوجه باطل لا شك فيه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>