للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين الاستغاثة الممنوعة والاستغاثة المشروعة]

يقول رحمه الله: وأما قولهم: فيستغاث بهم في الشدائد، -يعني بالأولياء- فهذا أقبح مما قبله وأبدع، لمصادمته قوله عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ} [النمل:٦٢]، ثم ينكر الله على المشركين الذين جعلوا هؤلاء آلهة مع الله، فيقول: {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦٢] وفي بداية الآية يقول الله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢]، فلم يقل: نبياً ولا ولياً ولا إنساناً ولا جاناً ولكن الله عز وجل وحده هو الذي يجيب المضطرين.

فمن زعم أن المكروب له أن يلجأ إلى فلان من الناس ليرفع عنه الكرب فإنه مشرك بالله ويدعو إلى الشرك به سبحانه وتعالى، قال الله سبحانه: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} [الأنعام:٦٤]، أي: من كل ما يقع فيه الإنسان من بلاء ونحوه، قال: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام:٦٣ - ٦٤].

يقول المصنف: والاستغاثة تجوز في الأسباب الظاهرة العادية.

يعني: لو أن إنساناً وجد نفسه في مشكلة كأن يكون حوله الأعداء فيستغيث بالمسلمين ليغيثوه فهذا جائز، ولو أنه ناداهم مثل أن يقول: يا للمسلمين! يا فلان! تعال، من أجل أن يساعده فيما هو فيه، فهذا جائز، أما أن يطلب من بشر ما لا يكون إلا من رب البشر سبحانه سواء كان حياً أو ميتاً فهذا هو الشرك بالله سبحانه وتعالى.

ولذلك يقول: وأما الاستغاثة بالقوة والتأثير أو في الأمور المعنوية من الشدائد كالمرض وخوف الغرق والضيق والفقر وطلب الرزق فهذه من خصائص الله سبحانه، ولا يجوز لأحد أن يطلب من أحد من البشر مثل هذا.

ثم ذكر بعد ذلك قول الله عز وجل: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس:١٠٦]، وقد سبق أن ذكرنا معناها.

وقال سبحانه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:١٠٧]، فإذا ادعى إنسان أن غير الله يكشف الضر فإنه يكذّب ما قاله الله سبحانه، فالله وحده هو الذي يكشف الضر، والله وحده هو الذي يستجيب للمضطر إذا دعاه، قال تعالى: {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:١٠٧].

وكذلك قال الله لهؤلاء المشركين على لسان إبراهيم في سورة العنكبوت: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:١٧]، فالرزق لا يطلب إلا من عند الله سبحانه، فمن ظن أن غير الله يعطيه رزقه فقد اعتقد الشريك لله سبحانه وتعالى، قال سبحانه: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف:٥].

فإذاً: هم يدعون هؤلاء الآلهة من دون الله، والآلهة غافلة عنهم لا تدري عنهم شيئاً، فإذا جاءوا يوم القيامة تبرءوا منهم، وكذلك الذين يعبدون عزيراً من دون الله، والمسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، يأتون يوم القيامة فيتبرأ منهم عزير ويتبرأ منهم المسيح عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، قال الله سبحانه: {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف:٥] يعني: في الدنيا، فإذا جاءوا يوم القيامة تبرءوا منهم، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>