للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام اتخاذ الند لله تعالى]

واعلم أن اتخاذ الند على قسمين: الأول: أن يجعل لله شريكاً في أنواع العبادة أو في بعضها، وهو شرك أكبر، كأن يستغيث ويقول: يا فلان! وينسى الله عز وجل.

فالاستغاثة لا تكون إلا بالله إلا أن يستغيث بحي قادر على إغاثته؛ فلا مانع كأن يقع شخص في البئر ويقول: يا فلان أدركني، فهذا ليس شركاً بالله سبحانه.

الثاني: ما كان من نوع الشرك الأصغر، كقول الرجل: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، وكيسير الرياء -وهذه ليست كل الأنواع- فقد جاء في الحديث أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئت)، أي: الذي يشاؤه الله يريده ولكن الرجل أخطأ في التعبير وقد لا يقصد هذا المعنى؛ ولذلك لم يكفر.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله نداً)، يعني: أَحْسِن التعبير فقد أخطأت في كلامك.

فلا يليق أن تذكر الاثنين مع بعض.

وهذا الحديث حسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، ورواه ابن ماجة بلفظ آخر قال الألباني فيه: حسن صحيح.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حلف أحدكم فلا يقل: ما شاء الله وشئت ولكن ليقل: ما شاء الله ثم شئت).

إذاً: لك أن تقول: ما شاء الله فقط، أو تقول: ما شاء الله ثم شاء فلان.

إذاً: الذي يطلب أولاً هو الله سبحانه وتعالى ثم النبي صلى الله عليه وسلم يطلب ما طلبه الله سبحانه، ويأمر بما أوحى الله عز وجل إليه؛ فيكون الأمر راجعاً لله وحده كما قال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:٥٤].

وفي هذا الحديث بيان أن دعوة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك جلي، كطلب الشفاعة من الأموات، كأن يذهب شخص إلى قبر الميت، ويطلب منه أن يشفع له عند الله مثلاً، أو يطلب له أن ييسر له أمراً ما.

فالشفاعة ملك لله تعالى وبيده، وليس بيد غيره منها شيء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ولـ مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)، فـ (شيئاً) نكرة في سياق الإثبات تطلق على أقل الأشياء.

إذاً: من لقي الله سبحانه تبارك وتعالى وهو يشرك به أقل شيء دخل النار فكيف بأكبر شيء؟! و (شيئاً) في الجملة الأولى نكرة في سياق النفي فتعم كلَّ شرك، فمن لقي الله ليس لديه أي شرك دخل الجنة.

فكل من كان وثنياً، أو كتابياً، أو زعم أنه على الإسلام وهو يعبد غير الله، ويتقرب إلى غير الله بأعمال لا تكون إلا لله سبحانه دخل تحت هذا الحديث.

يقول الإمام النووي: (أما دخول المشرك النار فهو على عمومه فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي -اليهودي والنصراني- وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عناداً وغيره).

والكافر عناداً واستكباراً هو الذي رد الحق ولم يتعلم الإسلام، وجاء الإسلام وهو يعلم أنه يوجد إسلام، لكنه لم يسأل عنه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا كان حقاً على الله أن يدخله النار) فيعلم من ذلك أن كل من سمع بالإسلام، ولم يؤمن به لا يقبل منه دين غيره، وهو من أهل النار.

يقول هنا الإمام النووي أيضاً: (ولا بين من خالف ملة الإسلام وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره) فمخالف ملة الإسلام هو من لم يدخل فيها، والمنتسب إليها من قال: أنا مسلم، ثم ادعى مذهباً من مذاهب الإلحاد والكفر، كالقول بالحلول مثلاً بمعنى: أن الله يحل في المخلوقات.

أو من يفعل أفعال الكفر، كالاستهانة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو الاستهانة بكتاب الله عز وجل ونحو ذلك، فهذا وإن انتسب إلى الإسلام إلا أنه كفر بفعل أو بقول، فخرج من هذا الدين.

قال الإمام النووي: (وأما دخول من مات غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به) يعني: الذي مات ولو كان وقع في كبيرة من الكبائر، ولكن على تفصيل: فالذي يموت وقد تاب إلى الله؛ فالله يتوب على من تاب.

والذي يموت ولم يتب إلى الله عز وجل فهذا في خطر المشيئة، إن شاء الله غفر له، وإن شاء أدخله النار وعذبه.

وهذا مثل ما قلنا قبل في الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) قيدت بقوله في الحديث الآخر: (أصابه قبل ذلك ما أصابه).

إذاً: المؤمن الذي يقول: لا إله إلا الله ولا يشرك بالله قد يكون من أهل المعاصي فيعذبه الله ما شاء في نار جهنم، ولكن يوماً من الأيام ينفعه إسلامه وتنفعه كلمة التوحيد.

يقول غير الإمام النووي: اقتصر على نفي الشرك لاستدعائه التوحيد بالاقتضاء واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسل الله فقد كذب الله، ومن كذب الله فهو مشرك، وهو كقولك: من توضأ صحت صلاته، أي: مع سائر الشروط.

قوله: اقتصر على نفي الشرك يعني: من مات لا يشرك بالله شيئاً، فكلمة (لا يشرك بالله) تدل دلالة لزوم على أنه موحد لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>