للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف الطاغوت]

قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] الطاغوت صيغة مبالغة، وهي من طغى فهو طاغ، فلما جاوز الحد أصبح طاغوتاً، فهو المجاوز لحده والخارج عنه، قالوا: من جاوز حده جاور ضده، فالذي يتجاوز الحد الذي له ينعكس إلى الضد فالإنسان يترفع قليلاً قليلاً حتى يقول أنه إله، ثم يقول أنه رب، والذي يعبد من دون الله عز وجل يسمى طاغوتاً يقول ابن القيم - الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله تعالى إلى عبادة الطاغوت وعن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طاعة الطاغوت.

إذاً: قوله: {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، وقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:٢٥٦] تعني: لا إله إلا الله.

قال بعض المفسرين في هذه الكلمة: الطاغوت معناه الشيطان، وجاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كهان كانت تنزل عليهم الشياطين، وعمر قال: الطاغوت: الشيطان، فاختلفوا في التفسير اختلاف تنوع فالبعض يذكر من الطواغيت الشيطان؛ لأنه جاوز حده واستكبر على ربه، ولم يسجد لآدم مستكبراً عليه ولم يطع الله سبحانه وتعالى فكان فيه الكبر فطغى، وجاوز حده، وقالوا: الكاهن من الطواغيت لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:٣٤] إذاً هذا علم اختص الله عز وجل به، فيقول الكاهن أنا أعرف هذه الأشياء، أنا أعرف أنه سينجب أو لا، أنا أعرف مكان الشيء الذي سُرق، أنا أعرف كذا وتجده يستعين بالشياطين لكي يثبت أنه يعرف ما لا يعرفه أحد من الناس، إذاً: جاوز حده، فمن قال: الكاهن طاغوت يقصد أنه جاوز حده وادعى شيئاً لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، والساحر طاغوت لأنه طغى وجاوز حده وصار كأنه إله عند الناس؛ ولذلك جاء في الحديث أن حده ضربة بالسيف، وإن كان الحديث في إسناده ضعف، والغرض أن الساحر جاوز حده في أنه ادعى أنه يملك النفع والضر، يقول لك: أنا سأعمل لك سحراً، وسأعمل لك كذا وسأعمل لك كذا، وسأفك لك العمل الذي فيك، وسأربط لك فلاناً، وسأوذي لك فلاناً.

والذي ينفع ويضر هو الله سبحانه وتعالى، والشياطين يعلمون الناس السحر، قال الله عز وجل: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢] فهم يعلمون الناس السحر حتى يقعوا في الكفر بالله سبحانه، ويعتقد الساحر أنه يملك أن ينفع ويضر من دون الله سبحانه، فهو طاغوت.

كذلك من الطواغيت من يبدل شرع الله سبحانه وتعالى، فالله أنزل الكتب على العباد ليحكموا بها، فإذا بالعبد يجعلها وراءه ظهرياً ويقول: لن نحكم بهذا الذي قاله الله عز وجل، وقد قال الله في كتابه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:٦٠] قالوا: الطاغوت هنا هو الضليل كعب بن الأشرف، وهو يهودي، فقد ذهب رجل من المنافقين يدعي الإسلام مع رجل من اليهود بينهم خصومة في شيء، واليهودي كان محقاً وكان يقول للمنافق تعال إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكم بيننا، فاليهودي حين عرف أن الحق له قال: نذهب للنبي لأنه لن يحكم بالهوى عليه الصلاة والسلام فقال المنافق: نذهب إلى كعب بن الأشرف، لماذا كعب بن الأشرف؟ لأنه سيأخذ رشوة، وكعب بن الأشرف يهودي يقبل الرشوة، فرفض حكم النبي صلى الله عليه وسلم وذهب إلى كعب بن الأشرف لكي يرشيه ويحكم له كعب بن الأشرف، فالذي يحكم بغير ما أنزل الله مستحلاً لذلك راضياً بذلك كالمبدل لشرع الله سبحانه وتعالى.

إذاً الطاغوت: من يغير شرع الله سبحانه وتعالى ويحكم بالهوى وبغير دين الله سبحانه وتعالى مستحلاً لذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>