للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير قول الله تعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة)]

وتفسير قول الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء:٥٧] أي: أولئك الذين يدعون من المشركين، يعني: هؤلاء الذين يطلب منهم المشركون النفع والضر يبتغون إلى ربهم الوسيلة، والمشركون عبدوا غير الله، واليهود عبدت عزيراً من دون الله، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠] فالمسيح وعزير ممن يبتغون إلى ربهم الوسيلة، يعني: يعبدون الله ويتقربون إليه ويرجون المنزلة عنده سبحانه، ويتوسلون بالأعمال الصالحة للقبول عنده وللقرب منه سبحانه وتعالى.

فقوله تعالى: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:٥٧] يعني: يسارعون إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، ويتسابقون إليه، سواء كان المسيح أو العزير أو الملائكة أو الجن، ولذلك جاء فيها من كلام بعض الصحابة كـ ابن عباس رضي الله عنهما أن أناساً من المشركين كانوا يعبدون الجن، فأسلم الجن وبقي هؤلاء على شركهم، والمعبودون الذين عبدوا من دون الله لم يرضوا بذلك، وعبدوا الله وحده، وهؤلاء المشركون ما زالوا في عبادتهم لهؤلاء الجن الذين أسلموا، قال سبحانه في هذه العبادة: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:٥٧]، والعبادة تكون على الرجاء والرهبة، فتحب الله عز وجل وتخاف منه، وهذا لا يكون إلا لله عز وجل، أي: كمال الحب مع كمال الخوف، وكمال الرغبة مع كمال الرهبة، فتحب ربك وأنت تخاف منه سبحانه وتعالى، فهؤلاء من ملائكة ومن رسل كرام عليهم الصلاة والسلام ومن جان عبدوا الله سبحانه وتعالى راجين رحمته خائفين من عقوبته، فالإنسان الذي يعبد الله حق العبادة يكون خائفاً منه سبحانه راجياً له، قال تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:٥٧] يعني: المؤمن يحذر من عذاب الله، ومن اطلع على هذا العذاب منه، ولذلك (لما خلق الله سبحانه الجنة والنار أمر جبريل أن يذهب فينظر إلى الجنة، فنظر إليها ورجع قال: لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم خلق النار وأمره أن يذهب فينظر إليها، فنظر إليها ورجع، فقال لربه سبحانه: لا يدخلها أحد) فالله عز وجل جعل الجنة حولها المكاره، وحفت الجنة بالمكاره، وجعل النار حولها الشهوات، وحفت النار بالشهوات، وأمر جبريل أن يذهب فينظر فرجع فقال عن الجنة: أخشى أن لا يدخلها أحد من كثرة المكاره التي حولها، والنار من كثرة الشهوات التي تؤدي إليها قال: أخشى أن يدخلوها، يعني: كلهم.

فالغرض: أن الله سبحانه وتعالى أخبر عن عذابه وعن ناره أنها كانت محذورة، قال تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:٥٧]، فمن اطلع حذر، لذلك جبريل يقول: لو سمعوا عنها ما دخلوها، بسبب نسيان العذاب والشهوات الكثيرة التي يقدم الإنسان عليها وينسى ربه سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>