للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخلاف في رؤية أهل الموقف لله عز وجل]

ومنها الخلاف في رؤية الله في الآخرة: هل هي خاصة بالمؤمنين أم يراه أهل الموقف جميعاً ثم يحجب عن الكفار؟ فالعلماء متفقون على أن هناك حجاباً عن الكفار، لكن هل يراه أهل الموقف جميعاً أم يراه المؤمنون والمنافقون ثم يحجب عن المنافقين أم يراه المؤمنون ويحجب عن المنافقين؟ في المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: يراه أهل الموقف جميعاً.

القول الثاني: يراه المؤمنون والمنافقون.

القول الثالث: يراه المؤمنون فقط.

وإنما انعقد إجماع أهل السنة على رؤية المؤمنين ربهم.

والتبديع إنما هو في قول من قال: لا أحد يرى ربه، أو قال: إن المؤمنين لا يرون ربهم، أو قال: إن الله لا يرى في الآخرة.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية هذه الأقوال وذكر أن هذه المسألة مما لا توجب العداوة، ومال رحمه الله إلى ترجيح أن جميع أهل الموقف يرونه لحديث مسلم عن أبي هريرة قال: (قيل: يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة)، الحديث.

وفيه قال: (فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما -يعني: الشمس والقمر- فيلقى العبد فيقول: أي فل فلان ألم أكرمك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ -يعني: تصبح رئيساً، وتأخذ المرباع، وهو ربع الغنيمة- فيقول: بلى، فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني).

وهذا القول هو خلاف قول الجمهور، بل بعض العلماء ممن لم يطلع على الخلاف يقول: إن هذا قول لا يقوله أحد من أهل السنة.

فقد ذكر النووي في شرح مسلم هذا الموضوع وقال: ليس من قول أهل السنة القول برؤية جميع أهل الموقف.

وهذا القول رجحه ابن القيم في حادي الأرواح.

والجمهور على أنه لا يراه إلا المؤمنون، ونقل هذا النووي في شرح مسلم عن أهل السنة، وضعف غيره؛ وذلك لقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥].

والذي يقول بعدم الرؤية يقول: سيلقى العبد ربه واللقاء لا يستلزم الرؤية.

ونقول: الآية دلت على وجود المانع.

وقال الآخرون: نحن نقول بظاهر الحديث، ونقول: إن قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] أي: بعدما يلقونه؛ ليعلموا أن لقاء الله حق كما قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل:٣٩].

ووجه الجمع هذا أولى وأليق بظاهر الحديث، وأما قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] فمحمول على أنهم يحجبون بعد أن يروه.

وقالوا: هذا لا يرد على القول الأول؛ لأنهم يرونه، ثم يحجب عن الكفار والمنافقين، ورؤيتهم أول مرة ليست رؤية تكريم بل ليوقنوا بلقائه، كما قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل:٣٩].

فإن قيل: وهل اللقاء يستلزم الرؤية؟ فنقول: اللقاء لا يستلزم الرؤية على الراجح، وهذا اللقاء رتب الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤية عليه، فقال بعد أن ذكر الرؤية: (فيلقى) وهذه الفاء تدل على أنهم يرونه عندما يلقونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>