للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم صحة الأحاديث في عدة الأولياء والأبدال وأمثلة لذلك]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد روي أنه كان بها غلام للمغيرة بن شعبة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذا واحد من السبعة) وهذا الحديث كذب باتفاق أهل العلم وإن كان قد رواه أبو نعيم في الحلية، وكذا لك كل حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة الأولياء والأبدال والنقباء والنجباء والأوتاد والأقطاب مثل أربعة أو سبعة أو اثني عشر أو أربعين أو سبعين أو ثلاثمائة أو ثلاثة عشر أو القطب الواحد فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم].

وبعض هذه التسميات وردت لكن لغير ما يقصده هؤلاء، فالنقباء وردت في نقباء الأنصار في بيعة العقبة، والأبدال ورد في حديث موقوف، وأما في فضل الأولياء فتوجد أحاديث صحيحة كثيرة، وأصح حديث في ذلك ما رواه البخاري: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، وأما الأوتاد والأقطاب فلم ترد لا في كتاب ولا سنة فيما أعلم.

وكلمة الأبدال يعنون بها: أنه كل ما مات منهم أحد جعل الله عز وجل بدلاً منه من أهل الخير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة).

فإذا مات في الأمة عالم مثلاً فإن الله يبدل مكانه من هو مثله في العلم، وكذلك في القيام بالحق ونحو ذلك، ولا يلزم أن يكون مثله تماماً، ولكن مثله في الطريقة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك من خلفه مثله، وأبو بكر لم يكن هناك مثله، فالله يقيم في مقامه بدلاً عنه؛ لأن الحق لا يضيع من هذه الأمة بحمد الله تبارك وتعالى، فالأبدال هم الذين جعلهم الله عز وجل بدلاً ممن سبقهم من الأولياء الذين يقومون بالحق علماً وعملاً في هذه الأمة، هذا الذي ورد، أما الأقطاب والأوتاد الذين يدعي الصوفية أنه يدور حولهم روح الكون كله، وأن القطب الواحد تدور الدنيا كلها حول أمره والعياذ بالله فهذا كلام باطل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ الأبدال، وروى فيهم حديث أنهم أربعون رجلاً وأنهم بالشام، وهو في المسند من حديث علي رضي الله عنه وهو حديث منقطع ليس بثابت، ومعلوم أن علياً ومن معه من الصحابة أفضل من معاوية ومن معه بالشام، فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي، وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق)، وهؤلاء المارقون هم الخوارج الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة علي فقتلهم علي بن أبي طالب وأصحابه، فدل هذا الحديث الصحيح على أن علي بن أبي طالب أولى بالحق من معاوية وأصحابه، فكيف يكون الأبدال في أدنى العسكرين دون أعلاهما].

إذاً: هذا الحديث حديث ضعيف.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك ما يرويه بعضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنشد منشد: قد لسعت حية الهوى كبدي فلا طبيب لها ولا راقي إلا الحبيب الذي شغفت به فعنده رقيتي وترياقي وأن النبي صلى الله عليه وسلم تواجد حتى سقطت البردة عن منكبيه] أي: اهتز وتمايل ووجد من شدة المحبة.

وقوله: (لسعت حية الهوى) تشبيه قبيح جداً، وهو أن الهوى والحب فعلان، وذلك هو أكثر تشبيهات الصوفية في أشعارهم إذ يشبهون المحبة بالخمر ونعوذ بالله، ويسموها: (القصيدة الخمرية) وقد يسمون بالمقامات العالية مقام السكر مثلاً، ومقام الدهش، ومقام الهيمان، ومصيبة تحصل للإنسان، فكيف يكون مقاماً ممدوحاً؟! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وأكذب منه ما يرويه بعضهم أنه فرق ثوبه، وأن جبريل أخذ قطعة منه فعلقها على العرش].

وهذا من خزعبلات الصوفية الموجودة في كتبهم والعياذ بالله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذا وأمثاله مما يعرف أهل العلم والمعرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أظهر الأحاديث كذباً عليه.

وكذلك ما يروونه عن عمر رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان وكنت بينهما كالزنجي] أي: يكلمونه بلغة لا يفهمها، ولذا فهم دائماً يكثرون من استعمال الكلام الغامض.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث] فمن يقر برسالته العامة في الظاهر ويقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعتقد والعياذ بالله عقيدة وحدة الأديان، أو في وحدة الوجود، أو في الخروج عن الشريعة -والعياذ بالله- ونحو ذلك، فهو منافق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمقصود هنا أن فيمن يقر برسالته العامة في الظاهر من يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك فيكون منافقاً، وهو يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إما عناداً وإما جهلاً].

وهذا الجهل ليس معتبراً في هذه الحالة؛ لأنه جهل نشأ عن الإعراض؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة، وشريعته هي شريعة الخلق جميعاً الإنس والجن.

وأذكر أن شخصاً رأى آخر، فقال له: لماذا لا تصلي؟ فأجاب: أنه رجل واصل فلم يعد يكلف بالصلاة، لأنه وصل إلى المراتب العالية والعياذ بالله، وبعضهم من المجانين يقولون: جذبته المحبة فأصبح لا يحتاج إلى هذه التكاليف.

وهذا الرجل لو كان مجنوناً حقيقة فهو معذور، وأما لو كان عاقلاً فهو كافر؛ لأنه مستحل لترك الصلاة، وكان أبي رحمه الله يحكي لي عن بعض الأقارب ممن له مقام -كما يقولون- أنه كان عندما يأتي رمضان لا يصوم ولا يصلي، فيقول له خالي: صل.

فيقول: الصلاة وسيلة لا غاية، ونحن قد وصلنا إلى الغايات، فلا حاجة بنا إلى الوسائل.

والعياذ بالله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كما أن كثيراً من النصارى واليهود يعتقدون أنهم أولياء الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن يقولون: إنما أرسل إلى غير أهل الكتاب وأنه لا يجب علينا إتباعه؛ لأنه أرسل إلينا رسولاً قبله، فهؤلاء كلهم كفار مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله، وإنما أولياء الله هم الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٢ - ٦٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>