للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه]

قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، إذا أعنت إنساناً أعانك الله، وإذا يسرت عليه يسر الله عليك في الدنيا والآخرة، وإذا فرجت عنه فرج الله عنك في الدنيا والآخرة، وإذا سترته سترك الله في الدنيا والآخرة، وهذا الأخير أعظم ما يكون في الدنيا التي تعيش فيها، فلو أن إنساناً فضحته عند أصدقائك ومعارفك ولم تستر عليه ثم جاء يوم القيامة والخلق مجتمعون ففضحت أمام الخلائق كلها، فلا شك أنه سيكون عليك أمر عظيم وصعب جداً.

فلذلك المؤمن يستريح بالتفكر في الآخرة، وبزيارة القبور، إذا زرت القبور ضاقت عليك الدنيا بما فيها من سعة وأمانٍ وأحلام، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من زيارة القبور، ومن ذكر هادم اللذات.

في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، فإذا أعنت إنساناً على شيء فلا تطلب الأجر منه، ولا تطلب منه أن يعينك ولكن انتظر من الله الإعانة فإعانة الله تكفيك.

إذا أردت أن يكون الله معك فكن مع الناس، وساعد من يحتاج المساعدة وأعط العطاء لمن يحتاج إليه، وكن مع الإنسان على الضائقة التي هو فيها، أعنه ولا تطلب منه أبداً رد ذلك، فإن الذي يطلب من الناس الرد مهموم أبداً، ودائماً يقول: انظر ساعدته ولم يساعدني عملت له ولم يعمل لي وقعت في حادث فما لقيت أحداً، أما المؤمن فلا ينظر إلى الناس أبداً، ولن يقول ما وقف أحد بجانبي؛ لأنه لم يكن يطلب وقوف الناس بجواره إنما يطلب وقوف الله سبحانه وتعالى بجواره، وكفى بالله وكيلاً كفى بالله حفيظاً كفى بالله شهيداً كفى بالله معيناً سبحانه وتعالى.

فإذا أعنت غيرك فانس أنك أعنته واستقله؛ فإن الإنسان إذا استعظم الشيء الذي يفعله صار ينتظر الجزاء عليه في الدنيا، أما من يستقل ذلك ويقول: هذا موطن من المواطن التي يحبها الله سبحانه وتعالى، فهذا عسى ألا ينظر إلى جزاء الدنيا.

والإنسان حين يختال وحين يستكبر على الناس يكون قد تخلق بخلق ذميم، ولكن الخيلاء في الحرب جميل وممدوح، فيظهر المؤمن الشجاعة، ويخرج إلى الكفار ليقاتلهم، وحتى إن كان ضعيفاً فهو يظهر القوة ليفزع أعداء الله، وقد كان أبو دجانة إذا حضر القتال تعمم بعمامة حمراء، وأخذ سيفه، وخرج يختال بين الصفوف يخيف الكفار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذه لمشية يبغضها الله عز وجل ورسوله إلا في مثل هذا الموطن)، لقد كان المؤمنون يفعلون ذلك وقلوبهم تمتلئ بالخوف من الله عز وجل وبالشجاعة على الأعداء.

ولا شك أن الكفار تمتلئ قلوبهم بالرعب حين يرون المؤمن مختالاً في المعركة وكأنه يقول: أنا لست خائفاً منكم، وكذلك حين يتصدق الإنسان تقول له نفسه: أنت دفعت مائة وهي كثير؛ فعليه أن يقول لها: ما هي المائة التي دفعتها؟ إنها لا تساوي شيئاً، فهذا أعطى ونسي ما أعطاه، أما الذي يعطي ويظل يتفكر: أنا تصدقت بمائة أنا أعطيت لفلان كذا إذاً: يا رب أعطني كذا وكذا، فلا ينبغي أن تكون المعاملة مع الله بهذه الطريقة، ولكن تغلب على نفسك وقل لها من المفروض أن أعمل أكثر من ذلك، وحين تفعل ابتغاء وجه الله تكون مسروراً سعيداً، وحين تضيق عليك الأمور فاصبر وقل: هذا ما كسبته يدي، ولعل الله يكفر به ذنوبي، وإذا جاءتك الدنيا قلت: الحمد لله رب العالمين، وأرجو ما عند الله سبحانه وتعالى.

فالمؤمن يشكر ربه سبحانه في السراء والضراء، ولا ينتظر الأجر والثواب من الناس، وإنما ينتظره من الله سبحانه وتعالى.