للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعظم الإثم وأكبره تضييع الإنسان من يعول]

ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت).

وفي رواية: (أن يضيع من يعول).

وفي رواية: (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته).

يعني: الإنسان الذي يجمع المال ويترك أهله جياعاً ويحرمهم وهو معه المال، فهنا يقول لك: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) فكونك تبخل على أهلك وتضيعهم حتى يموتوا من الجوع، أو يشحذوا من الناس أو يسرقوا وأنت قادر على الإنفاق، فإن هذا إثم عظيم جداً، يكفي لإدخال صاحبه النار، كفاه هذا الإثم أنه ضيع من يعول ومن يقوت.

ورد في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)، (اليد العليا) أي: يد المعطي هي اليد العليا، ويد الآخذ هي اليد السفلى.

(وابدأ بمن تعول) يعني: وابدأ بالنفقة على نفسك وعلى زوجتك وعلى العيال، فهؤلاء أولى من الغريب، بعد ذلك أخرج للغير بحسب ما يقدرك الله سبحانه وتعالى.

قال: (وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) يعني: كأنه يحث الإنسان إن تصدق ألا يتصدق بكل ما عنده، بل يبقي لنفسه وأهله وعياله ما يغنيهم ويعفهم، بحيث لا يحتاج إلى أحد من الناس.

فقوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) يعني: إذا كنت غنياً فأنفق، وإذا كنت فقيراً وليس عندك إلا ما يكفيك فأبدأ بنفسك وعيالك، ولك الأجر في هذا الشيء، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦].

ومن كرم ربنا سبحانه وتعالى أنه لم يجعل في مالك حقاً للغير وأنت محتاج إليه، بل أمرك أن تبدأ بنفسك وأهلك وعيالك، وما زاد فأعط للغريب ولمن يحتاج.

قال في الحديث: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله).

قوله: (من يستعفف) الجزاء من جنس عمل الإنسان، فالإنسان عليه أن يكون عفيفاً معززاً له كرامته، فهو لا يمد يده إلى أحد.

قوله: (ومن يستغن يغنه الله) أي: إذا استغنى المرء بالله أغناه، والغنى غنى النفس لا المال، فهو قد يستغني بالشيء اليسير، ولا يمد يده إلى الناس؛ لأن الله عز وجل لم يحوجه إلى أحد من خلقه أبداً.

أما الإنسان الذي ينظر إلى ما في يد الناس ويحسدهم ويتمنى أن يصير ما عند الناس عنده، والناس ليس عندهم شيء، فهذا الإنسان يملأ الله عز وجل قلبه فقراً، ومهما أعطاه من مال فهو يحس أنه فقير وأنه محتاج.

إذاً: من يتعفف يعفه الله ويجعله عفيفاً، ويعطه ما يعفه عن سؤال الخلق، ومن يستغن بالله سبحانه وتعالى يغنه الله؛ هذا وعد صادق من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يغنيك إذا تعففت وإذا استغنيت عن الخلق بالخالق سبحانه وتعالى.