للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح أثر (قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس)]

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس.

وعيينة بن حصن هو رجل كبير في قومه، وكان ممن يتألفه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته؛ لأنه كبير في قومه مثل: العباس بن مرداس، والأقرع بن حابس، كان هؤلاء الثلاثة كانوا كبراء في قومهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفهم ليثبتوا على هذا الدين، فقدم عيينة على عمر رضي الله تعالى عنه، وابن أخيه الحر كان صغيراً في السن، ولكنه كان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله تعالى عنه لعلمه.

وكذلك كان ابن عباس صغيراً في السن وكان عمر رضي الله عنه يدنيه؛ ليس لمكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما لعلمه رضي الله تعالى عنه، وأهل شورى عمر هم أهل العلم، يقول ابن عباس: كان القراء حفاظ القرآن أصحابَ مجلس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، والكهل هو الذي جاوز الثلاثين سنة، أما الشاب فهو دون ذلك.

فالشاهد هنا: أن أهل مجلس شورى عمر رضي الله عنه هم حفاظ القرآن في ذلك الزمان، وليس كهذا الزمان يحفظ الواحد القرآن ولا يفهم منه شيئاً، بل كان الواحد من الصحابة والتابعين يحفظ عشر آيات، ويعرف مضمون هذه الآيات ومعانيها وأحكامها وينفذها ويعمل بها، وهكذا حتى يحفظ القرآن كله على هذه الطريقة، فهؤلاء كان يدنيهم عمر رضي الله عنه؛ لأنهم أحق أن يشاورهم في أمور المسلمين.

فجاء عيينة وطلب من ابن أخيه الذي هو الحر بن قيس أن يستأذن له على عمر، فاستأذن له على عمر رضي الله تعالى عنه، وأكرم عمر هذا الشاب الحافظ للقرآن، وجعل عمه يدخل عليه.

فلما دخل على عمر رضي الله عنه، قال لـ عمر: هيه يا ابن الخطاب!، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل.

هذا من الكذب على عمر رضي الله تعالى عنه، عمر ذلك الذي عدله الكفار وعرفوا فضله وعدله، وهذا يأتي ويقول عن عمر: أنت لا تحكم بالعدل، ولا تعطينا الجزل!! فلما قال ذلك، غضب عمر غضباً شديداً، وهم أن يوقع به؛ لأنه كذاب يكذب على عمر رضي الله تعالى عنه، فلما أراد معاقبته إذا بـ الحر بن قيس يقول لـ عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:١٩٩]، وإن هذا من الجاهلين.

فلما سمع الآية التي خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم كأنه صُبَّ عليه ماء بارد، فسكت وسكن غضبه، وكان وقافاً عند كتاب الله سبحانه وتعالى.

قال ابن عباس: والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله، فهدأ وسكت رضي الله عنه وأعرض عنه لكونه جاهلاً.

فإذاً: الغرض من هذا الأثر بيان الذين كان يدنيهم عمر رضي الله عنه، وعمر هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وزير النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، ولو وزن إيمان عمر بإيمان الأمة ليس فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر لوزنهم عمر وثقل إيمانه على إيمان الأمة.