للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (وجبت محبتي للمتحابين في)]

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء).

سبحان الله! هذه درجة الإنسان الذي يحب أخاه في الله سبحانه، المتحابون في جلال الله سبحانه يتحابون بخوفهم من الله، لحبهم لله تبارك وتعالى، لعملهم أنه يحاسبهم ويجازيهم يوم القيامة، ففي جلال الله سبحانه يحب بعضهم بعضاً.

هؤلاء يجعل لهم منابر من نور، ولم يقل: من خشب أو من ذهب، بل ما هو أعظم من ذلك بكثير، منابر من نور يوم القيامة.

(يغبطهم النبيون والشهداء)، يعني: هؤلاء ليسوا بنبيين، وليسوا بشهداء، ولكن كانوا متحابين في الله سبحانه تبارك وتعالى، فجعل لهم منابر من نور، فإذا بالأنبياء والشهداء يتمنون ما هم فيه، والغبطة هي تمني ما هم فيه من فضل الله سبحانه تبارك وتعالى.

معاذ بن جبل راوي هذا الحديث كان من علماء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل أعلمهم بالحلال والحرام رضي الله عنه كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وكان شاباً صغيراً.

معاذ بن جبل راوي هذا الحديث يقول عنه أبو إدريس الخولاني رضي الله عنه: دخلت مسجد دمشق فإذا بفتى براق الثنايا وإذا الناس معه، يعني: أن أسنانه بيضاء لامعة، وأنه كثير التبسم رضي الله تبارك وتعالى عنه.

قال أبو إدريس الخولاني وهو من الزهاد والعباد رضي الله عنه: وإذا الناس مع هذا الفتى، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه، قال: فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل رضي الله تبارك وتعالى عنه.

قال: فلما كان من الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، أي: بكرت لأكون جنبه وأكلمه، قال: ووجدته يصلي، فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت له: والله إني لأحبك في الله، فقال معاذ: آلله؟ يعني: أتحلف على ذلك؟ قال: فقلت: آلله، فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه فقال: أبشر! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ)، حديث صحيح رواه الامام مالك في الموطأ.

وجبت محبة الله سبحانه، أي: لزمت محبة الله سبحانه، أوجب على نفسه ذلك سبحانه تبارك وتعالى، إذا كان هذا الإنسان يحب إخوانه في الله عز وجل.

(والمتجالسين في) يعني: مجموعة جلسوا يقرءون القرآن، أو جلسوا يتناصحون في الله عز وجل، أو يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أو يتدارسون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، هؤلاء الذين جلسوا ولو لحظات قليلة، لذلك وجبت لهم محبة الله سبحانه تبارك وتعالى.

كذلك المتزاورون في الله عز وجل، كمن ذهب يزور أخاه في الله سبحانه لا يبتغي شيئاً إلا أن يزوره في الله.

(والمتباذلين) من البذل والعطاء، يعطي ابتغاء وجه الله سبحانه تبارك وتعالى، ويؤثر على نفسه، هذا وجبت له محبة الله سبحانه تبارك وتعالى.