للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علامات محبة الله للعبد]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الإمام النووي رحمه الله: [باب: علامات حب الله تعالى للعبد والحث على التخلق بها، والسعي في تحصيلها.

قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:٥٤].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري].

هذا باب من كتاب رياض الصالحين يذكر فيه الإمام النووي رحمه الله علامات حب الله العبد والحث على التخلق بها.

وقد ذكرنا في الباب السابق الحب في الله سبحانه تبارك وتعالى، وكيف أن المؤمن يحب إخوانه المؤمنين في الله عز وجل، لا يبتغي من هذه المحبة إلا وجه الله سبحانه تبارك وتعالى.

ويحرص المؤمن عليها لأنه علم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تحاب اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حباً لصاحبه) فهو يريد أن يكون الأحب والأقرب إلى الله سبحانه، فيحب في الله سبحانه، وعلم أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، فهو يحب المؤمنين في الله، ويبغض الكفار في الله سبحانه تبارك وتعالى.

هنا ذكر علامات حب الله تعالى للعبد، فالعبد الذي يحب الله يحبه الله، فما هي العلامات التي تفيد أن هذا الإنسان يحب الله سبحانه تبارك وتعالى؟ قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١]، فمن العلامات اتباع النبي صلوات الله وسلامه عليه.

المؤمن يحب كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، ويحرص على الاقتداء بالنبي صلوات الله وسلامه عليه في كل شيء، هذه المحبة هي التي نفعت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فحرصوا على الاقتداء بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، حتى إن ابن عمر كان يركب البعير فإذا بلغ موطناً رأى فيه بعير النبي صلى الله عليه وسلم قد التفت فيه إلى مكان فإذا به يأخذ بلجامه حتى يلتفت في المكان نفسه حباً للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليس مأموراً بذلك، ولكن أحب أن يفعل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل في المكان الفلاني نزل وقضى حاجته، فكان يحب أن يصنع كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا علم أنه نزل في مكان فصلى فيه أحب أن يصلي فيه كما فعل النبي صلوات الله وسلامه عليه.

اتباع النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن الله يحب لهذا العبد الخير، فإذا أحب له الخير فقد أحبه الله تعالى سبحانه تبارك وتعالى.

وفي الحديث: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) فعلامات أن هذا الإنسان يحبه الله ويريد به الخير أن يتفقه في دين الله عز وجل، وأنه يتبع ولا يبتدع في دين الله سبحانه، قال الله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:٣١] فإذا تبعوا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا سيحصل؟ قال: {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١]، فالنتيجة محبة الله للعبد، إذا أحب الله العبد يستحيل أن يعذبه وهو يحبه سبحانه تبارك وتعالى.

كذلك قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] ما هي علاماتهم قال لنا في هذه الآية: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤] أربع صفات ذكرها الله عز وجل لهؤلاء الذين يحبهم الله ويحبون الله سبحانه تبارك وتعالى.

فذكر أنهم أذلة على المؤمنين، يعني: متواضعين رحماء مع إخوانهم المؤمنين، لا يستعرض قوته على أخيه المؤمن، ولا يضايق المؤمنين ويفرح بقوته، وأنه يقدر عليهم حتى وإن كان قوياً فإنه يظهر كأنه ضعيف، متواضع مع المؤمنين، يحب لهم الخير، ولا يظهر لهم قوته ولا يظهر لهم أنه أفضل منهم، قال الله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:٥٤].

وهنا العزة على الكافرين تعني الشدة، فيظهر المسلم قوته على الكافرين في الجهاد في سبيل الله سبحانه تبارك وتعالى، وفي تأديب هؤلاء إذا كانوا ينالون من أحد من المؤمنين، أو من دين الله سبحانه تبارك وتعالى.

إذاً: هؤلاء أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فجهادهم ليس لمصلحة دنيوية، وإنما يبتغون به وجه الله سبحانه، يبتغون بذلك إحدى الحسنيين إما النصر، وإما الشهادة.

وهم في ذلك لا يخافون لومة لائم، يأمرون بالمعروف ولا يخافون أحداً من الخلق؛ لأنهم يأمرون بأمر الله سبحانه، وينهون عن المنكر، ولا يخافون في ذلك أن يلومهم أحد، تراهم قوامين على أنفسهم، وقوامين لدين الله سبحانه تبارك وتعالى، شهداء بالحق ولو على الأنفس، أو على الوالدين، أو على الأقربين، فهم مقيمون لشرع الله سبحانه على أنفسهم، وعلى غيرهم، ولا يخافون لومة لائم، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:٥٤] ذلك الذي هدى الله عز وجل عباده هؤلاء إليه من فضله العظيم سبحانه تبارك وتعالى.

ولذلك أهل الجنة عندما يدخلون الجنة يقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣] الهدى من الله سبحانه تبارك وتعالى، ليس لأحد، فضل على أحد وإنما المنة والفضل لله سبحانه تبارك وتعالى على جميع الخلق.