للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أظهر الإسلام فقد حرم قتله]

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة- والحرقة اسم مكان في قبيلة جهينة- فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته) أي: أن أسامة قتل هذا الرجل.

وتوضح هذه رواية أخرى في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله: أن أسامة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (كان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله)، أي: أنه كان رجلاً جباراً، ما كان يجد واحداً من المسلمين إلا قتله، فترصد أسامة ورجل من الأنصار لهذا الرجل، فقصدا غفلة الرجل، فلما وصلا إليه أخذ يقول: لا إله إلا الله، على أنه ما قال ذلك إلا بعدما قتل مجموعة من المسلمين، فقتله أسامة وخاف الأنصاري، ولما جاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالنصر أخبره بما صنع أسامة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لم قتلته؟ فقال: يا رسول الله! أوجع في المسلمين، وقتل فلاناً وفلاناً وسمى له نفراً، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله! فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟).

وفي رواية أسامة قال: (أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم).

والمعنى: أنه تمنى أن إسلامه كان بعد هذه القصة؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، وعدم استغفار النبي صلى الله عليه وسلم له نوع من التأنيب له، وتخويف لغيره من المسلمين، وإن كان أسامة هو حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه صلى الله عليه وسلم أبى أن يستغفر له، وظل يردد: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: (فقلت: يا رسول الله! استغفر لي، فجعل لا يزيد على ذلك، يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة؟).

وجملة هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث تدل على أن الإنسان المؤمن يجب أن يحذر من أن يسفك دم إنسان مسلم يقول: لا إله إلا الله، فتأتي هذه الكلمة يوم القيامة وصاحبها يقول لله عز وجل: سل هذا فيم قتلني، فقد كنت مسلماً أقول: لا إله إلا الله فقتلني هذا؟ وقد يخرج الإنسان بعذر في الدنيا ويقبل منه؛ لكنه عند الله لا يساوي شيئاً، فإن كان ما ارتكبته بسبب الغضب فإن الجبار يغضب عليك يوم القيامة ويدخلك نار جهنم والعياذ بالله، وإنما يحق الله عز وجل الحق يوم القيامة، ويأخذ للمظلوم من ظالمه.