للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجيء عمرو بن عبسة وإسلامه بمكة قبل الهجرة]

ومن الأحاديث حديث أبي نجيح واسمه: عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه، فيذكر أنه أسلم، ويذكر قصة إسلامه رضي الله تبارك وتعالى عنه.

فكان -وهو في الجاهلية- عنده نور في قلبه يبين له أن هؤلاء الناس على باطل وعلى شرك وضلالة، ولم يكن يعتقد ما يعتقدون من أباطيل في الجاهلية، فقال: (كنت وأنا في الجاهلية -يعني: قبل النبي صلى الله عليه وسلم- أظن أن الناس على ضلالة).

الله هو الذي قذف في قلبه أن هؤلاء المشركين على ضلالة وباطل، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان.

قوله: (قال: فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً) سمع أن شخصاً في مكة خرج في هذا الزمن يخبر أخباراً.

قال: (فقعدت على راحلتي -رجل يبحث عن الحق وعن الدين رضي الله عنه- فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً جرآء عليه قومه).

وكان هذا في أول الإسلام وأول الدعوة إلى الله عز وجل، وقال صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)، بدأ غريباً برجل واحد وهو النبي صلوات الله وسلامه عليه، يدعو قومه إلى الدين، فيدخل معه في الدين -كما ذكر لنا هنا- حر وعبد وامرأة وصبي.

فقد دخلت معه من النساء خديجة، ومن الصبيان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن الرجال الأحرار أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومن العبيد بلال رضي الله تبارك وتعالى عنه.

فهؤلاء الذين كانوا معه مسلمين، فبدأ الإسلام بهؤلاء غريباً، قال عمرو بن عبسة: (فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت: ما أنت؟ قال: أنا نبي، قال: قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، قال: قلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله ولا يشرك به شيئاً).

هنا دعا إلى الله عز وجل، وبين محاسن هذا الدين العظيم، فالدين كبير وعظيم، ولكن البدء دائماً يكون بالأهم، وأهم شيء هو توحيد الله عز وجل، ومكارم الأخلاق، فذكر له صلى الله عليه وسلم ما يعرفه الناس بعقولهم من أن هذه الأصنام باطلة، ولذلك هذا الرجل قبل أن يدخل في الإسلام كان يعرف أن هذا الذي عليه المشركون من عبادة باطل، ولكن أين الحق؟ فهو يبحث عن الحق رضي الله تبارك وتعالى عنه، فلما ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له أن الله أرسله بذلك قال: (أرسلني بصلة الأرحام) فهذه مكارم الأخلاق؛ لأن أهل مكة كانوا يشيعون على النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء بقطع الأرحام، فكذبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه إنما جاء بصلة الأرحام لا بقطعها.

قال: (وكسر الأوثان) كسر ما يعبد من دون الله سبحانه تبارك وتعالى، والكلمة جميلة وعظيمة، ما قال: إبطال الأوثان، وإنما قال: كسر الأوثان، فالذي يتفكر يقول: والله لو كانت تنفع غيرها لدافعت عن نفسها وهي تجد من يكسرها، فهذه الأوثان باطلة، فأعمل عقلك في هذا الشيء، واعلم أن هذه أوثان تكسر ولا تملك أن تدفع عن نفسها.

قال صلى الله عليه وسلم: (وأن يوحد الله ولا يشرك به شيئاً، قال: قلت: فمن معك على هذا؟) أي: من دخل في هذا الدين معك؟ (قال: حر وعبد)، الحر: أبو بكر رضي الله عنه، والعبد: بلال رضي الله عنه.

قال: (قلت: إني متبعك) انظر إلى نور الإيمان عندما يكون في قلب الإنسان! لم ينظر إلى الكثرة ولم يقل: عندما يكثر الذين معك سأسلم، مثلما قال كفار قريش، فقد كانوا يقولون له: عندما يكثر عدد الذين معك ندخل في هذا الدين، فأنت ليس معك أحد، فينظرون إلى الكثرة على أنها دليل الصواب والخطأ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينظر إلى مثل ذلك، فالحق حق وإن قل أتباعه، والباطل باطل وإن كثر أشياعه، فهذا حق وذاك باطل، فهذا النبي صلوات الله وسلامه عليه يخبر أن معه حراً وعبداً على هذا الدين.

يقول الرجل: (إني متبعك، قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا) وهنا هل منعه النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا، فهو لم يمنعه من الإسلام، فلا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لغيره أن يمنع أحداً من الإسلام، وإنما المعنى: أنه إذا اتبعه وترك قومه ليكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يدفع عنه هؤلاء الكفار، فقال له: امكث في قومك مسلماً حتى يظهر هذا الدين فتأتي وتكون معنا، فهذا من رأفته ورحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الرجل ضعيف، ماذا سيملك لنفسه بين هؤلاء الجحافل من المشركين؟! فإذاً: يبقى مسلماً في قومه إلى أن يظهر الله الإسلام.

فقال صلى الله عليه وسلم للرجل: (إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟) يعني: الناس كثرة وهم يؤذونني، ولا أقدر عليهم، فكيف أدفع عنك؟! (فقال: ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني).

فالمسألة هي أن تكون معي وتكون في مكانك أنت، أما الإسلام فقد قبله منه صلى الله عليه وسلم، ودخل الرجل في الإسلام بذلك.