للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنفاق المؤمن الغني مما آتاه الله]

قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان:٦٧] وهذا شيء ثالث يذكره: فالأول: أن يثق الإنسان في رزق الله سبحانه فيقنع بما آتاه.

والثاني: أن يتعفف إذا لم يجد، وإذا سأل واضطر إلى السؤال فلا يلحف في المسألة.

وفي الثالث: أن الله إذا أعطاه مالاً وأنفق هذا المال فلا يسرف ولا يقتر.

فمن صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان:٦٧] في إنفاقهم: {وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان:٦٧] أي: لم يبخلوا ولم يشحوا، ولكن بين ذلك، فالحال الذي هم عليه: قوام وسط بين ذلك وذلك.

قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٦ - ٥٨].

فإذا رزق الله الكافر فلن يترك المؤمن بغير رزق سبحانه وتعالى، وذلك لعدله وكرمه، فهو يرزق كل دابة، فالإنسان المؤمن يتفكر في صلاح حاله ويتفكر في أن الذي خلقه هو الذي تكفل برزقه، ثم ليسع في طلب هذا الرزق من وجوه الحلال، وليترك وجوه الحرام.

من الأحاديث التي جاءت في هذا الباب ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس).

والعرض هو المال، والإنسان الذي لديه مال كثير ليس ذلك دليلاً على غناه.

وهذا دليل على أن كثرة المال ليس ضرورياً، فالمال ليس دليلاً على غنى نفس هذا الإنسان، فقد يكون عنده مليون ويستشعر أنه فقير، وأنه قد يضيع منه هذا المال فيصبح فقيراً لا مال له.

فمهما أعطاه الله فإنه يستشعر أنه فقير وأنه محتاج، وهذا ليس الغنى، ولكن الغنى الحقيقي هو الشعور بالرضى من داخل القلب.

فهو راض في نفسه عن ربه سبحانه وتعالى، واثق في أن الله عز وجل خزائنه ملأى لا تغيضها نفقة، وأن رزقه قد تكفل الله عز وجل به، فهو موجود في خزائن الله، وسوف يأتي هذا الرزق وقتاً من الأوقات.

لكن المطلوب منه أن يسعى لطلب هذا الرزق، وأن يمشي في مناكب الأرض فيأكل من رزق الله الذي ساقه وقسمه له.

إذاً: الغنى الحقيقي أن يستشعر الإنسان أن الله عز وجل يرزق، وأن الله ادخر له الخير في الدنيا وفي الآخرة، وأن الله عز وجل لا يضيع شيئاً أبداً.

فما من شيء إلا والله سبحانه يعلمه ويرزقه، وما من دابة إلا على الله رزقها، فإذا كان الإنسان يشعر بالفقر فإنه لو أوتي مثلما أوتي قارون سيستشعر أنه فقير ومحتاج وخائف من ضياع هذا المال.

وإذا كان الإنسان قد أعطي الرضا والقناعة في قلبه استشعر الغنى وإن كان جيبه خاوياً لا شيء فيه، فهو واثق أن الله معه كل شيء سبحانه وتعالى، فيسعى في طلب الرزق من الله وهو يعطيه سبحانه.