للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذم المسألة إلا لحاجة]

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: (اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة).

والذي يسأل الناس ويستكثر من مالهم قال عنه صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً؛ فليستقل أو ليستكثر).

وقوله: (فليستقل أو ليستكثر)، يعني الذي يطلب قليلاً فهو من النار جمر، أو يطلب كثيراً فهو جمر من النار.

وعند الترمذي عن سمرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لابد منه) والكد: المكدة وهي الحديدة التي يحفر بها الإنسان في خشب ونحوه، فكأنه يوم القيامة يسقط لحم وجهه من سؤاله في الدنيا، فتأتي المسألة عليه يوم القيامة كخدوش وشقوق في وجهه بسبب عدم حيائه من الله عز وجل في الدنيا وسؤاله الناس إلحافاً.

لكن يستثنى (أن يسأل الرجل سلطاناً) يعني يسأل الحاكم، كأن يريد الحق الذي له في بيت المال ونحو ذلك إن كان محتاجاً.

(أو في أمر لابد منه)، كأن نزلت به كارثة أو مصيبة فيسأل الناس بسبب المصيبة التي نزلت به، فهذا معذور، ولكن الذي يسأل أموال الناس يستكثر منها فهو داخل في هذا الحديث.

وعند أبي داود والترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل).

أي: أن الذي نزلت به مصيبة أو فاقة فأنزلها بالناس، وطلب الناس على وجه الطمع، فيأخذ من هذا ومن هذا، ولا يكتفي، ويجمع أكثر مما يأكل فالله عز وجل لا يسد فاقته، لأنه اتجه إلى الناس فوكله الله إليهم.

ثم قال: (ومن أنزلها بالله)، يعني: تضرع إلى الله وسأل الله وأخذ بأسباب الرزق: (يوشك الله له برزق عاجل أو آجل)، أي: أن الله يعطيه رزقاً عاجلاً.

وجاء في حديث آخر: (أو موت عاجل)، فإما أن يرزقه ما يكفيه أو يأخذه سبحانه وتعالى فيعطيه جنته، ويكون من أهل المصائب الذي يكرمهم الله تبارك وتعالى عنده.

وعن ثوبان عند أبي داود أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة، فقلت: أنا، فكان لا يسأل أحداً شيئاً).

فالجنة مقابل عدم سؤال الناس، وفي هذا تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين التعفف وألا يطلبوا الناس شيئاً، فكل ما يقدر الإنسان أن يفعله بنفسه فليفعله؛ حتى لا يتعود الخدمة من الناس.