للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل التنافس في الإنفاق]

في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها).

الحسد هنا الغبطة، والمعنى: أنك تراه ينفق فتتمنى في نفسك وتقول: يا ليتني مثله، فما الفرق بين الغبطة والحسد؟ الحسد الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هنا المقصود به الغبطة، أن تغبطه وتود أن لك مثله، لكن الحسد الحقيقي هو تمني زوال النعمة، مثل إنسان يرى في يد الإنسان مالاً فيتمنى أن يسرق هذا المال منه، ويتمنى أن هذا المال يضيع منه من أجل أن يبقى مثله.

وشر الحاسد على نفسه وعلى غيره أيضاً، ولعله يكون سبباً في زوال نعمة الغير بسبب عينه، فالإنسان الحاسد يستشعر أنه مظلوم، ولذلك يقولون: ما رأينا ظالماً أشبه بالمظلوم من الحاسد، هو ظالم ويتشبه بالمظلوم؛ لأنه لا يعجبه أن الله أعطى فلاناً وما أعطاه، فالحاسد متسخط على ربه سبحانه، متسخط على أقدار الله سبحانه، يقول: لماذا أعطى فلاناً وما أعطاني أنا؟ فيتمنى زوال نعمة الغير.

وهنا يقصد النبي صلى الله عليه وسلم بالحسد الغبطة، فلا مانع من أن المسلم يجد من هو أفضل منه ويقول: يا ليتني أكون مثل هذا الإنسان.

فالحسد بمعنى الغبطة يكون في أمرين، قال: (لا حسد إلا في اثنتين)، فإذا كنت فعلاً تحسد أحد بمعنى تغتبط فيه وتتمنى مثله فليكن في هذين الأمرين وهما: (رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق)، كان غنياً فسلط ماله بالتصرف في الحق، يخرجه للفقراء وللمساكين، ولا يضيع حق نفسه وحق بيته، فينفق بالقدر الذي يرضي به ربه سبحانه وتعالى، فالله عز وجل آتاك المال لتخرجه وليس من أجل أن تكنزه حتى تموت وتتركه لغيرك! جعل الله المال لتنفق منه في سبيل الله عز وجل وفي وجوه الخير، فهذا الإنسان ينفق بالعدل، ينفق بالإحسان، يعطي ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والفقراء وغيرهم، فهذا لك أن تقول: يا ليتني مثل فلان، يا ليت ربنا أعطاني حتى أكون مثله، وهذا الإنسان لا يحرمه ربه أبداً من فضله ومن كرمه، هذا الغني الذي يعرف حق الله ويعطي من غير رياء ولا سمعة، فهذا لا يضيعه الله عز وجل، بل يزيد له من فضله ومن كرمه سبحانه.

والآخر: (رجل آتاه الله حكمة)، تعلم العلم الشرعي، فالحكمة تطلق على معان منها أن يضع الشيء في موضعه، فالحكيم يفكر بالعقل وعنده قلب وفيه لب.

وتطلق الحكمة بمعنى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والحكمة بمعنى الإصابة في الدين.

فهذا رجل أعطاه الله عز وجل علماً في الكتاب وعلماً في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاه الحكم الصواب في الأشياء فهذا حكيم، فهو يقضي بها ويعلمها.

قال: (رجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها) يعني أفعاله مبنية على الحكمة، لا يخالف قوله عمله، ولا يخالف عمله علمه، ولكن يعمل بما علم، آتاه الله حكمة فهو يقضي بها في أفعاله وفي قضائه ويعلمها للناس، هذا الذي يستحق أن يقول الإنسان: يا ليتني مثله.