للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مفسدة الشح وتسببه في القتل والقطيعة]

ذكر المؤلف حديثاً في هذا الباب، واستغنى بما ذكر قبل ذلك في الأبواب السابقة عن إيراد أحاديث كثيرة، قال: عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة).

الإنسان يظلم غيره في الدنيا، ويظلم نفسه {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣]، فالإنسان الذي يشرك بالله عز وجل ظلم نفسه بأن أشرك بالله سبحانه، فوقع في ظلمات الكفر والشرك بالله.

كذلك ظلم الغير، فقد يرى الإنسان ظلمه لغيره انتصاراً ولا يستشعر أنه في نفسه دمار له في الدنيا وفي الآخرة، يفرح بأنه ظلم الغير وأخذ حقه، فإذا جاء يوم القيامة تعسر في مروره على الصراط، أظلمت الطريق الذي أمامه فإذا به يقع في نار جهنم والعياذ بالله، فظلمه أوبقه يوم القيامة، انظروا إلى الإنسان المؤمن يوم القيامة يؤتيه الله عز وجل نوراً {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم:٨]، هؤلاء المؤمنون أهل التقوى، أما الإنسان الفاجر والإنسان المنافق فقد يؤتى شيء من النور ووقت ما يحتاجه يظلم أمامه فلا يرى شيئاً، فينادون المؤمنين {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} [الحديد:١٤]؟ كنا معكم في الدنيا {قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:١٤].

ويقولون للذين آمنوا: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣]، (انظرونا) اصبروا من أجل أن نأخذ قليلاً من نوركم ونسير في ضوء نوركم، قال لهم ربهم سبحانه: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [الحديد:١٣]، فلما رجعوا إلى الخلف يبتغون نوراً، ضرب بسور بينهم وبين المؤمنين أصحاب النور، {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:١٣].

فالإنسان في الدنيا يظلم غيره ولا يدري أن هذا الظلم سيكون عليه يوم القيامة ظلمات حقيقية، وإذا به يتوه يوم القيامة ولا يدري أين يذهب، فلا يجد طريقاً إلا إلى النار، يمر المؤمن فوق الصراط بحسب ما أعطاه الله سبحانه تبارك وتعالى، فإذا به يوم القيامة يمر كالبرق، يمر كالريح، يمر كأجاويد الخيل.

وهذا الإنسان الذي ظلم عندما يمر يوم القيامة يأتيه ظلمه فيظلم عليه الموقف أمامه، فإذا به يكبو وإذا به يتعسر، وإذا به تلفحه النار حتى يسقط فيها والعياذ بالله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم).

استحلوا الحرام حتى يكتسبوا شيئاً من المال، يغتصب المال ويفعل الفواحش من أجل أن يحصل على المال، فسفكوا دماءهم، واقتتلوا حتى يحوزوا هذا المال، واستحلوا محارمهم وابتغاء هذا المال، فكانت النتيجة النار والعياذ بالله.