للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة)]

قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٨٥].

فقوله: (كل نفس) لم يخص نفساً دون نفس، أي: كل نفس منفوسة وكل حي مولود لابد وأن يموت.

قوله: (وإنما توفون أجوركم) أي: الجزاء الأوفى، فما تقدم أيها الإنسان من خير تجده عند الله عز وجل خيراً وأعظم أجراً مما كنت تتخيل وتتوقع، حتى إن الإنسان ليأتي يوم القيامة فيجد له جبالاً من حسنات، ويسأل ربه الكريم سبحانه وتعالى: لم أعمل هذه الحسنة؟ فيكون

الجواب

أن هذا دعاء ادخرناه لك لهذا اليوم، أي: لم يستجب لك في الدنيا وإنما أخرناه ليوم القيامة، فالله يوفي عباده الأجر الوافي يوم القيامة، {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} [آل عمران:١٨٥]، قوله: (زحزح) يعني: كأن الأصل الولوج على النار والعياذ بالله.

قال سبحانه: {وَإِنْ مِنْكُمْ} [مريم:٧١] {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:٧١]، أي: وما منكم إلا واردها ووالج فيها، {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم:٧١].

فقوله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:١٨٥]، هذا الذي يزحزح عن النار حين تشتد فهو يزحزح عنها حتى ينجو منها، فهو فائز، فما بالك بمن سبق غلى جنة الخلد كيف يكون فوزه!! وجاء في الحديث، حين يمر الإنسان على الصراط والنبي صلى الله عليه وسلم واقف فيقول: (يا رب سلم سلم، يا رب سلم سلم)، وكل إنسان يقول: نفسي نفسي، ويمر الإنسان فوق الصراط، وهو مضروب على ظهر جهنم وهو أحد من السيف، وأدق من الشعرة، وهو دحض مزلة، وحوله كلاليب تخطف الذي يسير عليه، والمؤمن يجعل الله عز وجل مروره بفضله وبكرمه سبحانه كمرور البرق، كلمح طرف الإنسان عندما ينظر، وأقل منه من يكون في سرعة الريح حين يمر على الصراط، وأقل منه من يمر كأجاويد الخيل، أي: كالخيل السريع، فهو يجري على الصراط المضروب على متن جهنم، وهذا الذي كأجاويد الخيل يا ترى هل سيضعف أم يجري هذا الجري السريع؟! يا ترى هل يكون الجري في وقت طويل جداً على ظهر جهنم، أم في وقت قصير؟! ومنهم من يمشي على الصراط، ومنهم من يحبو على الصراط، ومنهم من يمشي مرة ويكبو مرة وتلفحه النار أخرى، وتخطفه الكلابيب التي عن يمينه وعن شماله مرة حتى ينجو، فإذا نجا من فوق الصراط قال: الحمد لله الذي نجاني، لقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً من العالمين، ما رأى غيره، ما رأى إلا نفسه وهو على الصراط، ويظن أن ربنا أعطاه ما لم يعط أحداً من العالمين.

فهذا الذي يمر على الصراط، كيف إذا سقط وهوى في نار جهنم والعياذ بالله؟! نسأل الله العفو والعافية.

قوله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:١٨٥] أي: الفوز العظيم {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥] أي: هذه الدنيا التي نعيش فيها ما هي إلا متعة يسيرة يستمتع بها الإنسان كما يستمتع المغرور بغروره، مثل: إنسان يلعب كمال أجسام حتى يبقى الجسم ضخماً جداً ويفرح به، وتراه يمشي منفوخاً في الناس، وفجأة جاء الله بمرض أضعفه أو جاءته شيخوخة وقعد في فراشه، فهذا كم استمتع بقوته؟ شيئاً يسيراً جداً.

والأخرى استمتعت بجمالها، كانت جميلة ومتبرجة وتمشي في الناس تفتنهم، وفجأة دب على شعرها الشيب وجاء على وجهها الخطوط، وهذه كم استمتعت بجمالها؟ عصت الله سبحانه وتعالى فترات وفي النهاية قالت: يا ليتني ما عملت هذا الشيء، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥] أي: متعة يسيرة قليلة زائلة بعد ذلك.