للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما جاء من قصر الأمل في السنة]

لا بد أن يكون الموت على بال الإنسان، والموت أمر حقيقي يقيني، وكل إنسان يعلم أن كل نفسٍ ذائقة الموت، ولكن هذا العلم وحده لا يكفي ليحرك في الإنسان الخوف من الله عز وجل، حتى يستيقن أنه إذا مات يبعث يوم القيامة، وأن الله يسأله عما فعله في هذه الدنيا، وعما آتاه الله عز وجل وأنزل على رسوله صلوات الله وسلامه عليه من كتاب، وأمرَ بمعروف ونهى عن المنكر، وما الذي صنع الإنسان في هذه الدنيا، وعمر الإنسان قصير جداً، وقد يشعر الإنسان أنه عاش وقتاً طويلاً.

يقول الشاعر: ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم فـ زهير يقول: إنه تعمر ثمانين سنة، فيرى هذه الثمانين سنة التي عاشها طويلة، ولكن هذه الفترة التي يستكثرها الإنسان يحس أنها طويلة يوم القيامة؛ لأن اليوم عند الله عز وجل كما قال: {َإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:٤٧] يعني: أن عمر الإنسان في الدنيا كان قصيراً جداً، لا يبلغ عشر يوم من أيام يوم القيامة أو أقل من ذلك، ولذلك في يوم القيامة عندما يسأل الناس: {كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف:١٩].

وهذا العمر الذي قضاه الإنسان نصفه في النوم والباقي بين عمل وبين طعام وشراب، وجزء منه يعبد الله سبحانه وتعالى، يستشعر أنه عمر يجري يوماً وراء يوم، وفي النهاية عند الموت يفيق الإنسان على حقيقة وهي أنه ضيع عمره وأنه غبن نفسه، وأنه فرط في هذا العمر، والعمر قيمته عظيمة جداً، أعطاه الله عز وجل للإنسان يستغله في عبادته وفي طاعته، وفجأة أخذ منه هذه الروح وترك الدنيا بما فيها، ولن يرجع إليها مرة ثانية، مثل الحرب، فالحرب خدعة يا قاتل يا مقتول، كذلك تعيش الدنيا سعيداً أو شقياً، ولن ترجع إليك هذه الدنيا مرة ثانية.

فالإنسان المؤمن لما يتذكر هذا الموت، ويتذكر الدنيا وكيف أنه يرجع إلى الله ليسأله عما فعل في هذه الدنيا، يجهز ويحضر الجواب، ماذا سيقول لله سبحانه وتعالى؟ لو لم يكن إلا الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى لاستحق أن يعمل الإنسان لهذا اليوم، أما ربنا سيسأله، وليس سؤالاً فقط، بل بعد السؤال يكون المصير إما إلى الجنة أو إلى النار، إذا كانت المكافأة من الله سبحانه وتعالى بأنه سيعطيه قصراً في الجنة، فهذا شيء عظيم يستحق أن يعمل له الإنسان، فكيف إذا كان سيعطيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فهذا يجعل الإنسان يفكر في الجنة، وفي السعادة العظيمة التي ينالها حين يدخل هذه الجنة العظيمة.

والعكس لو تفكر الإنسان في النار وما الذي يلقاه فيها، لو قيل له: سنحرقك بنار الدنيا، لكان شيئاً فظيعاً وأليماً، فكيف بنار جهنم؟! ونار الدنيا قد أطفئت مرتين حتى استطاع الإنسان أن ينضج عليها طعامه في الدنيا وأن ينتفع بها، ولكنها تكون يوم القيامة على هيئتها والعياذ بالله، يعذب فيها أهل النار ويخلدون في نار جهنم، والكافر يقول: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:٤٠]، فالكافر يتمنى أن يصير تراباً ولن يصير تراباً.

فهنا يتضح أن الإنسان المؤمن فُضِّلَ على غيره، بأن جعل الله عز وجل له قلباً عاقلاً يعقل ويفهم ويتدبر ويتذكر، فيعبد ربه سبحانه حتى يأتيه اليقين، ويعبد ربه بالصورة الصحيحة للعبادة والصورة العظيمة للعبادة، ليست بالصورة الضيقة التي أكثر الناس يفكر ويقول: أنا صليت أنا صمت وانتهى الأمر، وإنما العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، أي: كل ما يحبه الله عز وجل منك أن تقوله وأن تنويه وأن تفعله، هذه عبادة لله سبحانه وتعالى.

جاء في الحديث أن الصحابة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر).

فعبادة الله عز وجل أن يجعل الإنسان عمره كله فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، بالنية الصالحة، ينام العبد ليتقوى على عبادة الله سبحانه، يصلي لله، ويصوم لله، ويذهب ليكسب عيشه من حلال لينفق على أهله.

كذلك الإنسان المؤمن يتفكر في الدنيا وأنها ستنقضي ويستغلها قدر ما يستطيع.