للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى قوله تعالى: (وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الورع وترك الشبهات.

قال الله تعالى: {وَتحْسَبُونَهُ هَيِّناً وهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ} [النور:١٥].

وقال تعالى: {إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ} [الفجر:١٤].

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) متفق عليه.

وعن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق، فقال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها) متفق عليه].

يكون الإنسان المسلم ورعاً إذا اتقى ما حرم الله سبحانه.

والإنسان يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يؤجره على تركه المحرمات أو المشتبهات، فإذا به يتضرع ويحتاط لنفسه، ويحتاط لدينه بزهده في الدنيا، وبزهده في الحرام.

قال الله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:١٥].

هذه الآية سيقت في حديث الإفك، وذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النور براءة السيدة عائشة رضي الله عنها، وأنب الذين خاضوا في عرضها رضي الله عنها، فقال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ} [النور:١٥] يعني: هذا الحديث تحسبون نقله فيما بينكم شيئاً هيناً لا قيمة له، بل هو عند الله عظيم.

وكذلك كل حديث فيه كذب، وفيه إفك، وفيه إلقاء تهم على مسلم أو مسلمة، وكل حديث فيه قول زور، أو فيه شهادة زور، أو فيه بهتان للإنسان المسلم فهذا قد يحسبه قائله هيناً، يحسبه شيئاً يسيراً لا قيمة له وهو عند الله عظيم جداً.

وقد كان الصحابة يقولون لمن بعدهم: إنكم لتفعلون أشياء هي في أعينكم أدق من الشعرة، كنا نعدها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر.

فالصحابة ينصحون التابعين فيقولون: تفعلون أشياء هي في أعينكم هينة، ولكن كنا نعدها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر.

يعني: لا نفعها أبداً؛ لأننا نعتبر ذلك كبيرة من الكبائر، ولكنكم تهاونتم بها ونسيتم إثمها فظننتموها شيئاً يسيراً لا قيمة له.

قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:١٤] وهنا المقصود: التخويف، أي: أن الله يرصدك ويراقبك، فإذا وقعت في الإثم فاحذر من أن يعاجلك بالعقوبة؛ لأن الله بالمرصاد، والله قد يملي للإنسان لعله يتوب، وقد يملي له ليأخذه أخذ عزيز مقتدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).