للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (ادفع بالتي هي أحسن)]

قال الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:٣٤].

أي: لا تستوي الفعلة الحسنة مع الفعلة السيئة.

ولا يستوي الإحسان مع الإساءة.

ولا يستوي أن يعطيك الله حسنات مع أن يكتب عليك سيئات.

فإذا كنت تريد أن تكون من أهل الجنة فاعمل بالحسنى، وخذ الحسنات؛ لأنه لا تستوي الحسنة مع السيئة.

قال تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:٣٤] ولم يقل: ادفع بالحسنة، وإنما قال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:٣٤]؛ لأن الأفعال منها حسن، ومنها ما هو أحسن من الحسن، فإذا أساء إليك إنسان فأحسن إليه، وليس أي إحسان، وإنما أحسن بأفضل الإحسان إليه؛ لعل الله عز وجل أن يبدل أعماله من سيئات إلى حسنات.

وكم يستحيي الإنسان من غيره في مثل هذا الصنيع إذا أحسن إليه، ولذلك قال ربنا بعد ذلك: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤]، فإذا كان إنساناً طيباً وفيه عقل فإنه يؤثر عليه أو يأسره بحسن خلقه الذي يتعامل معه به.

وكل إنسان قد يبدر منه شيء، والتهور ليس دليلاً على أن هذا الإنسان سيئ، فقد يكون الإنسان جيداً، ولكن يبدر منه شيء من الإساءة ومن التهور، ولو أن كل إنسان قابلت تهوره بتهور مثله فأين الفضل الذي لك عليه؟ وأنت قد تعرف هذا الإنسان، ولعله يرجع، فربنا تبارك وتعالى يقول لك: تعامل مع هذا الإنسان بالحسنى، وأحسن إليه تأسره بإحسانك له.

فعلمنا كيف نتعامل مع الإنس ومع الجن: أما مع الجن فقال تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:٩٨]، لأنك ليس لك حيلة مع الشيطان إلا أن تتعوذ بالله منه، والله عز وجل هو الذي يحميك ويعصمك منه فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

أو: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.

وأما شياطين الإنسان فقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:٣٤] وذلك مرة بعد الأخرى، فلعل هذا الإنسان يستحيي ويصبح مؤدباً يوماً من الأيام.

قال تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤]، وهذا فضل الإحسان.

أحسن إلى الناس تستجلب مودتهم فطالما استعبد الإحسان إنساناً فإنك تستعبد الإنسان بإحسانك إليه.

وبإحسانك إليه مرة بعد مرة يصبح في النهاية كأنه ولي، أي: موال ومناصر لك بعدما كان معادياً لك، كما قال تعالى: {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤].

قال سبحانه: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت:٣٥]، أي: وما يلقى الدرجة العالية، وهي درجة الإحسان، أو ما يلقى هذا الخلق العظيم من الله ويصبر عليه إلا أهل الصبر على الأذى، أو إنسان على خلق عظيم، قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥].

وقال سبحانه: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:٤٣]، أي: من عزائم الأمور وشدائدها الدالة على حسن خلق صاحبها، وقوة إيمانه، فيصبر ويعفو ويتجاوز، ويفوت الشيء بعد الشيء، حتى يستحيي خصمه، ويصير إنساناً محسناً كالذي أحسن إليه.