للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شدة أذى المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج إلى الطائف]

فيوم أحد كان يوماً شديداً على المؤمنين وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالسيدة عائشة تذكر هذا اليوم وتقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل أتى عليك يوم كان أشد من هذا اليوم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لقد لقيت من قومكِ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة)، يعني: كان هناك يوم آخر أكثر من ذلك بكثير.

فقال: (كان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إني عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال) فقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء القوم وهذا سيدهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فلم يجبني إلى ما أردت).

يعني: أنه ضاقت على النبي صلى الله عليه وسلم مكة فخرج إلى الطائف لعله يجد أحداً يستجيب له، فخرج يدعوهم، وعرض نفسه على هذا الرجل، فأبى ولم يجب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب) فقد سلطوا عليه غلمانهم وصبيانهم يقذفونه بالحجارة، فأدموا قدميه صلوات الله وسلامه عليه، قال: (فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب)، فقد مشى إلى مكان بعيد، ولم يشعر بشيء صلى الله عليه وسلم من شدة الهم والغم الذي هو فيه، إلا وهو في قرن الثعالب.

قال: (فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني) ولم يكن يشعر من الهم أن هناك سحابة فوقه صلى الله عليه وسلم تظله من الشمس.

قال: (فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين) والأخشبان: جبلان حول مكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلاماً جميلاً فيه الرحمة بهم، فقال: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً) ومن يقول مثل هذه المقالة غيره صلى الله عليه وسلم؟! فهو الذي رباه ربه فأحسن تربيته قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] فلم يقل له: انتقم، واعمل فيهم ما تريد، وأطبق عليهم الأخشبين فهم يستحقون العذاب، وسأذهب إلى بلاد أخرى أدعو إلى الله عز وجل، ولكنه صبر لأمر الله، ورجا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.

فكان الأمر على ما تمناه النبي صلى الله عليه وسلم، ونال في النهاية ما تمنى، بعد أن فتحت مكة فقد مكث في مكة ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة، وبعد ثمان سنوات من هجرته إلى المدينة، فتحت مكة، ولكنه لم يهنأ بالدنيا أو الفتوح صلى الله عليه وسلم، فبعدها بسنتين مات صلوات الله وسلامه عليه قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:١] وقرت عينك بذلك.

{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:٢ - ٣] أي: عندما يدخل الناس في دين فلا تستمع بالدنيا، وإنما سبح واستغفر، فإن أجلك قد حان، فاستعد للآخرة، فالمكافأة ليست في الدنيا فاستعد لها.