للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غضب الرسول لحرمات المساجد]

وعن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه) أي: أنه دخل المسجد، فوجد نخامة في قبلة المسجد أمام الناس، فشق ذلك عليه حتى رئي الغضب والغيظ في وجهه.

قال: (فقام فحكه بيده صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية أخرى: (أنه أخذ عوداً وحك به النخامة صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة) فأنت قائم تناجي ربك سبحانه تبارك وتعالى، وربنا يقول: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦]، فالله أقرب إليك من حبل وريدك سبحانه تبارك وتعالى، فهو معك سبحانه تبارك وتعالى، ويعلم الكلمة قبل أن تنطق بها، فقد لا يسمعها الذي أمامك، لكن الله يسمعها ويعلمها سبحانه تبارك وتعالى.

قوله: اعلم أن الله عز وجل فوق سماواته سبحانه، كما جاء في القرآن: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦]، فهو في السماء، وترفع يديك إليه تدعوه، وينزل الملائكة من السماء، وينزل الكتب من السماء وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة).

فالله بينك وبين قبلتك أي: أقرب إليك من أقرب شيء إليك، فهو بسمعه وبعلمه وببصره أقرب إليك من كل شيء.

قال صلى الله عليه وسلم: (فلا يبزقن أحدكم قبل القبلة، ولكن عن يساره أو تحت قدمه)، أي: لا يتفل أحدكم جهة القبلة، لكن الآن لا نتخيل أن أحداً يعمل هذا؛ أما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان المسجد نفسه مفروشاً بالتراب وبالحصى، ولم يكن في المسجد سجاد ولا حصير؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا احتاج شيئاً يقول لـ عائشة: (ناوليني الخمرة)، وهي حصيرة على قدر ما يصلي فيفرشها ويصلي عليها.

أما المسجد في ذلك الزمان فلم يكن مفروشاً، ولعل أحدهم يعجله البصاق، فهذا الذي جعل أحدهم أعجله البصاق فبصق، ولم يكن معهم مناديل مثلنا، فالواحد منهم إما أن يخرج خارج المسجد، فتراه في كل وقت يخرج ويدخل، أو أن يبصق في أرض المسجد ويدفنها، فإذا احتاج فعل ذلك، لكن الأصل أنه لا يفعل؛ ولذلك جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)، فهذا الحديث فيه إشارة إلى أنه إذا احتاج إلى هذا الشيء فله ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من بصق على أرض المسجد فعليه أن يدفنها ويغطيها بالتراب، ولا يتركها هكذا، وكأن هذا الرجل احتاج فتفل في القبلة ولم يعلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان هذا قبل النهي عن ذلك.

قال صلى الله عليه وسلم: (ولكن عن يساره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال: أو يفعل هكذا)، الرداء هو الذي يوضع فوق الكتف، فأخذ طرفه وتفل فيه، والآن لك أن تخرج منديلك وتتفل فيه، وترجعه إلى جيبك.

يقول الإمام النووي رحمه الله: والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه هو فيما إذا كان في غير المسجد، أما في المسجد فلا يبصق إلا في ثوبه.

وهذا في زمن النووي؛ لأن المساجد كانت في زمن النووي مفروشة بحصير وسجاد، فلذلك لا يجوز أن يبصق إنسان في أرض المسجد، ولا يجوز أن يقذر أرض المسجد لا بنعله ولا بخفه ولا ببصاقه ولا بثوبه ولا بشيء من شحم أو غيره.

إذاً: فأرض المسجد طالما أنها ليست تراباً بل فيها حصير أو غيره، فالواجب عليك أن تحافظ على نظافتها لا أن تقذرها.