للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التعود على حسن الخلق]

إن الإنسان المؤمن يتعلم الحياء من هذا الدين العظيم، ويتعلم الأدب وحسن الخلق، ويقيم ذلك في نفسه وفي أهله وبين الناس ويطبقه، وينتظر على ذلك الأجر من الله سبحانه تبارك وتعالى، فالمؤمن يتعلم الحلم وحسن الخلق ليس ليقول عنه الناس: إنه إنسان طيب وإنه كذا! وإنه كان جيداً؛ لأن الأصل في ذلك أنه طاعة لله سبحانه، وأنه يريد بذلك الجنة، ولأنه يعلم أن أفضل الأعمال التي تدخل صاحبها الجنة بعد إقامة الفرائض حسن الخلق، فعلى الإنسان أن يحسن خلقه شيئاً فشيئاً، فكما أن العلم بالتعلم فكذلك الحلم بالتحلم، فالمرء يتعاطى أسباب العلم شيئاً فشيئاً حتى يصير عالماً، كذلك يحلم شيئاً فشيئاً حتى يصير حليماً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا في الحديث: (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه) يعني: يحسِّن الإنسان خلقه بالتعود ويعتاد على العلم بالتعلم، والحلم يكون بالتعود على الحلم، وجاء بصيغة التفعل التي تقتضي التكرار والمواظبة والمداومة على الشيء.

وكذلك تحري الخير، فمن يتحرَّ الخير لم يزل يطلبه في مظانه حتى يصل في النهاية إليه، والذي يخاف من الشر ويتوقاه يكلفه ذلك أنه كلما رأى شراً يبعد عنه شيئاً فشيئاً حتى يقيه الله عز وجل الشر.

إذاً: جماع الأمر أن الإنسان يعود نفسه على العلم، وعلى الحلم، فيصبر على ذلك حتى يكون عالماً ويكون حليماً، ويكون حسن الخلق.

ومن الأخلاق الطيبة: طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء، فلابد للإنسان أن يكون كلامه طيباً، فالإنسان الفاحش في الكلام يقول كلاماً غير مفهوم، وإذا جلس في مجلس تراه يهمز هذا ويلمز هذا ويطعن في عرض هذا ويعيب في الناس، فإن الناس تستقبح منه ذلك فلا يحبون مجالسته، حتى وإن أظهروا له أنهم يضحكون من كلامه أو يضحكون معه، لكن الحقيقة أن الله يلقي البغضاء في قلوبهم، فيبغض بعضهم بعضاً؛ لأنهم يعصون الله سبحانه تبارك وتعالى.

لابد للإنسان المؤمن أن يعود نفسه على قول الخير ومجالسة أهل الخير، فيجالس الأبرار وأهل الطاعة فيتعود منهم حسن الخلق، لكنه إذا جالس سيئي الخلق يصير لسانه مثل لسانهم، فإذا قال أحدهم له نكتة رد عليه بنكتة، وإذا طعن أحدهم في عرضه رد عليه بمثلها، حتى يصير في النهاية إنساناً بذيء اللسان، والنبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الفحش والتفحش، لا تكن فحاشاً في كلامك ولا تتكلف ذلك، ولكن ابق على طبيعتك الطيبة، وإذا رأيت إنساناً فيه أخلاق غير طيبة فلا تقلده من أجل أن يخاف منك؛ لأن الله عز وجل هو الذي يلقي الهيبة في قلوب الناس، فأطع الله سبحانه تبارك وتعالى يعنك سبحانه تبارك وتعالى، فهذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يشتمه فقال له: يا هذا! دع للصلح موضعاً، فإنك إن عصيت الله فينا لا نفعل أكثر من أن نطيع الله فيك.

يعني: أنت تعصي الله فينا يشتمك لنا، لكن نحن نطيع الله فيك بالصبر عليك، فدع للصلح موضعاً.

والإنسان المؤمن لا يكون إمعة، فإذا جلس في مجلس يتكلم بلسان أهله، أو يعتاد أن يكون بذيئاً، أو يكون فحاشاً أو شتاماً، بل يحافظ على لهجته وعلى حلاوة منطقه ولسانه مع كل الناس.