للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على أن تكون الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة]

الاقتصاد في الموعظة أمر مطلوب، والكلام إذا كان كثيراً في مادة واحدة، كأن يكثر الإنسان من الوعظ والتذكير بالجنة والنار، فإن هذا يجعل الناس يملون، فلذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تعليم الناس أن يقتصدوا في مثل ذلك.

يقول الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:١٢٥].

فقوله: {بِالْحِكْمَةِ} [النحل:١٢٥] أي: أن تكون حكيماً، كذلك أن تكون الدعوة بالموعظة، وهنا قال: {وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:١٢٥] أي: كأن المواعظ منها موعظة سيئة ومنها موعظة حسنة، فالله عز وجل يأمرك أن تعظ موعظة حسنة، والوعظ هو: التذكير والتخويف بالله تبارك وتعالى، ولكن أحياناً يأتي الإنسان لتذكير الناس وتخويفهم فيملهم، بسبب أنه يكثر من الترهيب حتى ييئس الناس، أو يكثر من ترغيب الناس حتى يجعلهم يرجئون الأعمال ويتراخون عن العمل الصالح، فعلى الإنسان أن يقتصد.

ومن أجمل ما يؤتى به في الموعظة القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالقرآن الكريم تجد في آياته التذكير بالله تبارك وتعالى، وذكر أسمائه وصفاته سبحانه، ففي السورة الواحدة تجد التذكير بأمور الآخرة من جنة ونار وغيرها، وتجد التذكير بالأحكام الشرعية التي يريدها الله عز وجل من عباده، والتذكير بمخلوقات الله سبحانه، والقصص عن الأمم السابقة، وتذكير الإنسان بالمواعظ والرقاق، فتجد القرآن يتحول من شيء إلى شيء، فلا يمل قارئ القرآن، كذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يمل منه، فقد أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، فما كان يخوف الناس حتى ييئسهم صلى الله عليه وسلم، ولا كان يفتح لهم أبواب الرجاء حتى يجعلهم يتركون العمل، ولكن يأمرهم بالعمل بقوله: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فأما أهل السعادة فبعمل أهل السعادة يعملون، وأما أهل الشقاوة فبعمل أهل الشقاوة يعملون).

يقول الله سبحانه وتعالى: {ادْعُ} [النحل:١٢٥]، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وهو سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، وهو الإمام في كل شيء، والقدوة الحسنة، فيقول له معلماً له: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:١٢٥]، إلى طريق ربك تبارك وتعالى، {بِالْحِكْمَةِ} [النحل:١٢٥] بالآيات التي نزلت من عند ربك سبحانه بالكتاب الحكيم بالحكمة والموعظة الحسنة.