للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (إذا دعي أحدكم فليجب)]

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل، وإن كان مفطراً فليطعم).

وهذا أدب من الآداب في الدعوة، فقد يدعوك إنسان إلى طعام وليمة أو غيرها من الطعام فتجيب دعوته مجاملة له، وأداء لما أمرت به شرعاً، فإذا كنت صائماً فهل يلزمك أن تفطر طالما أنك أجبت الدعوة وذهبت إليه؟ فالحديث هنا لا يلزمنا بذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل) يعني: يحضر الوليمة ويدعو لصاحب الوليمة بما يفتح الله عز وجل عليه ثم ينصرف، (وإن كان مفطراً فليطعم)، لعل الإنسان يحضر الوليمة ويكون مفطراً، فيتأنف ويقول: لا أريد أن آكل، أنا شبعان، فيؤذي صاحب الوليمة، والذي جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: (يتكلف لك أخوك ثم تقول: إني صائم!)، إذاً: هنا لعل الامتناع عن طعام هذا الإنسان يتسبب له في شيء من الحرج، ويقول في نفسه: لماذا لا يريد أن يأكل طعامي، هل يظن أن مالي حرام، هل يظن كذا ويتحرج من ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نأكل مع هذا الإنسان من طعامه طالما أنك مفطر، سواءً أكلت كثيراً أو يسيراً لكن المهم أن تجامله، فإن كان صائماً ولا يريد أن يفطر فليصل، وليبين عذره؛ لأن الإنسان أحياناً قد يتكلف في إحضار الطعام فيحضره لإنسان فيرد عليه ويقول: ليس لي رغبه في الطعام وهو صائم ويخشى أن يقول: أنا صائم؛ لكي لا يحبط عمله، ولكن هذا خطأ، فكونه يخاف على نفسه الرياء شيء جيد، ولكن ليس في كل وقت، إذا حضرت عند إنسان وبدأت تتهرب في الكلام وهو أعد لك أكلاً فسيسيء بك الظن، أو يظن أنك تعاف طعامه، أو أنك مستكبر عليه ولا تريد أن تأكل عنده، فأهون من هذا كله أن تقول من البداية: أنا صائم، وأجمل من ذلك أن تقول: أنا صائم وإن شئت أفطرت، ولكن أحب أن أصوم، فإذا صمت تم صومك، وإذا وجدت أن الرجل يتأذى بهذا الشيء وقد تكلف وعمل لك أكلاً وبعد ذلك تقول له: أنا صائم، وهذا كله في غير رمضان ففي رمضان شيء آخر، لكن هذا الصوم إن لم يكن في رمضان وإن لم يكن صوم فريضة واجبة كالنذر، فإذا أصر عليك فكل ولك أجر صومك ولك أجر على أنك أدخلت الفرح والسرور على قلب هذا الإنسان، إذا كان الأمر لا يؤثر معه ولكنك لا بد أن تبدي عذرك وتقول: أنا صائم، ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصائم (إذا سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم)، والحكمة من قول ذلك أنه تذكرة لنفسه، أي: يا نفس! لا تردي على هذا الإنسان بنفس ما يقول، وتذكرة للآخر، فلا تؤذ إنساناً صائماً، فالله عز وجل يدافع عن الذين آمنوا.

إذاً: يجوز للإنسان أحياناً أن يقول: إني صائم، حتى لا يسيء الإنسان فيه الظن.