للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمر الله لنبيه بإدناء الضعفاء والصبر معهم]

المقصود أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقالوا له: وفدنا عليك فاجلس معنا في مجلس يعرف لنا العرب به فضلنا وشرفنا، وإذا قمنا فاقعد معهم إن شئت.

فكأن مصلحة التأليف والدعوة التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحين هو أن يعمل لهم مجلساً لعلهم يسلمون ويصلح حالهم.

هذه وجهة نظره.

فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، وطلبوا منه أن يكتب لهم كتاباً بهذا الشيء، ليكون ملزماً بما قاله، فكاد أن يكتب كتاباً صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم على ذلك، فإذا بجبريل ينزل على النبي صلوات الله وسلامه عليه، يقول راوي الحديث خباب: ونحن جلوس في ناحية المسجد، يعني: لا نعلم ما الذي يقال، فنزل جبرائيل عليه السلام بالآية: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:٥٢].

فالله سبحانه وتعالى يأخذ بحق هؤلاء الضعفاء الذين احتقرهم هؤلاء، ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: احذر، فلا تطرد هؤلاء فتكون من الظالمين.

ثم ذكر له الأقرع وعيينة بن حصن فقال: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:٥٣]، ولعل ذلك كان وهم في مكة قبل الهجرة إلى المدينة؛ لأن هذه من سورة الأنعام، وسورة الأنعام مكية وليست مدنية.

ثم قال تعالى يذكر خباباً وأمثاله: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤]، قال خباب: فدنونا منه صلوات الله وسلامه عليه، يعني: أظهر الله لنا الفضل.

قال: فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته صلوات الله وسلامه عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله عز وجل في القرآن: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨]، يعني: ولا تجالس الأشراف تريد زينة الحياة الدنيا.

قال سبحانه: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف:٢٨].

ثم ذكر الله تبارك وتعالى أن من صفات هؤلاء أنهم يتبعون أهواءهم: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨] أي: كان أمره هلاكاً، لو ظل على مثل هذا الشيء ثم ضرب لهم مثل رجلين ومثل الحياة الدنيا.

قال خباب: فكنا نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم صلوات الله وسلامه عليه، وهذا تأدباً منه صلى الله عليه وسلم وطاعة لأمر، الله عز وجل.

فكان يجلس لهم، ولكن الجلوس إلى الناس حتى ينفضوا بأنفسهم صعب، لكن هؤلاء الصحابة ليسوا مثل غيرهم، فقد فطنوا وفهموا أن الله أعطانا هذا كله لا لنؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، بل نحن نقوم في الوقت الذي يحب أن يقوم فيه، فالصحابة تأدبوا بأدب النبي صلوات الله وسلامه عليه، فكانوا يشفقون على النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمهم ورباهم، وعلم ما في قلوبهم من إيمان؛ لذلك فضلهم الله وشرفهم وأنزل فيهم من القرآن ما يمدحهم به في آيات كثيرة.