للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه)]

قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (إن من أعظم الفِرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه) أن يدعي أو يدعى فيقبل بهذا الشيء (أو يُرَيَ عينه ما لم ترَ)، والفرية: أشد أنواع الكذب، إنسان يفتري أي: يختلق كذباً وزوراً، فمن أعظم الفرى ومن أعظم الكذبات العظيمة الشنيعة أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، يعني: يقول الإنسان: أنا فلان بن فلان، ويتسمى باسم رجل غير أبيه، مثل كثير من الممثلين وغيرهم، تجد أحدهم له اسمان: اسم في البطاقة، واسم أمام الناس! فمن أعظم الكذب أن الإنسان يتسمى لغير أبيه، قال صلى الله عليه وسلم: (أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم ترَ) هذا من أعظم الكذب.

وجاء في حديث آخر أن هذا الإنسان يعذب في النار، الذي يكذب فيؤلف أنه رآى بالبارحة وهو لم يرَ شيئاً يكلف أن يعقد بين شعيرتين في النار من أجل أن يخرج منها، والمعنى: أنه لن يخرج من النار والعياذ بالله؛ لأنه يكذب على الله سبحانه.

والرؤيا وحي من الله، والذي يختلق شيئاً في منامه فإنه يكذب على مقام النبوة، وعلى مقام الوحي من الله سبحانه وتعالى، فلذلك أخبر أنه من أرى عينيه ما لم ترياه يكلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وما هو بعاقد، يعني: يقال له: أنت داخل النار، وإذا أردت أن تخرج منها فاربط بين شعيرتين، ومن يربط شعيرة في شعيره أخرى؟! يستحيل هذا الشيء، إذاً: يعذب دائماً والعياذ بالله بسبب كذبه، فاحذر أن تكذب في الرؤيا، أو أن ابنك يكذب عليك ويقول: أنا رأيت في البارحة كذا وكذا، فعليك أن تحذره من أن يكذب في المنام.

فالمنام من الله سبحانه وتعالى، له ملك مخصوص يجعل هذا الإنسان يرى أشياء، والنوم هو الموتة الصغرى، والموت هو روح الإنسان تتجول في أنحاء الكون بحسب ما يشاء الله سبحانه وتعالى في وقت نوم الإنسان.

لذلك من يحدث فيكذب فيها فإنه يستحق العذاب يوم القيامة على كذبه، وحتى تكون الرؤيا رؤيا صالحة وصادقة وبشارة للإنسان المؤمن فإن شرطه أن يكون صادقاً، أتريد أن تكون لك رؤيا صالحة تراها ومبشرات؟ كن صادقاً في حديثك ولا تكذب على أحدٍ من الناس، فإذا كنت كذلك أراك الله سبحانه وتعالى الرؤيا الصالحة، ومن أعظم ما ترى أن ترى النبي صلوات الله وسلامه عليه في المنام.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه أول ما بدأ به الرؤيا الصادقة، وكان ذلك قبل أن تنزل عليه الرسالة، كان يرى الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وكان الكفار يلقبونه الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام، فكان يرى هذه الرؤى الصالحة فإذا أصبح تحقق الذي رآه، ففي الحديث المتفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، ثم بعد ذلك نزل عليه الوحي من السماء).