للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أفشوا السلام بينكم]

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم)، فهذا الحديث العظيم يدل على أنك لن تدخل الجنة إلا وأنت تحب إخوانك المؤمنين، والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، والعروة: المكان الذي تربط فيه الزرار، أو: المكان الذي ستربط فيه الحبل من أجل أن تشده، كالشيء الذي ستدقه في الأرض لتربط فيه الخيط أو الحبال التي ستقيد بها الجمل، فأوثق هذه العرى الحب في الله والبغض في الله، فتحب المرء لا تحبه إلا لله، ليس لعرض بسيط من هذه الدنيا، وتبغض المرء كذلك في الله؛ لأنه يعصي الله؛ ولأنه يكفر بالله سبحانه.

قال: (ولا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا)، فلن تدخل الجنة حتى يدخل الإيمان في قلبك.

(ولا تؤمنوا حتى تحابوا) يعني: لن يكتمل هذا الإيمان في قلبك حتى تحب المؤمنين جميعهم لإيمانهم وإسلامهم.

قال: (ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم)، فالنبي صلى الله عليه وسلم يدل المؤمنين على العلاج الناجح والدواء الناجع الذي إذا فعله المؤمنون واستخدموه تحابوا.

قال: (أفشوا السلام بينكم)، فليكن السلام والتحية الإسلامية بينكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هي السمة الغالبة على المجتمع، فيسلم المؤمن على أخيه ويسلم أخوه عليه.

ثم إن كثرة هذا السلام تزيد المحبة بين المؤمنين، وترفعهم عند الله سبحانه وتعالى، ويتعارفوا فيما بينهم، فإن المرء إذا أكثر من السلام على الناس عرفوه، وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:١٣]، فإذا كان الإنسان لوحده لا يعرف الناس ولا يعرفونه - كما تدعو لذلك الصحافة اليوم - فمن سيصلي عليك إذا مت؟ ومن سيشيع جنازتك؟ فإذا لم تكن بينك وبين الناس محبة أو معرفة أو سلام فلن تجد من يقف على قبرك يدعو لك ويسأل الله عز وجل أن يرحمك وأنت في قبرك، فلتفشوا السلام بينكم كما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه.

حديث آخر: رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)، فهذه خصال سمعها عبد الله بن سلام من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا في أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان عبد الله بن سلام يهودياً في ذلك الوقت ولم يكن قد أسلم، وكان من أحبار اليهود وقتها، وقد كان يعرف أن هذا الوقت وقت خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب لينظر إليه وجد نور النبي صلوات الله وسلامه عليه، ووجد وجهه وجهاً لا يأتي بالكذب أبداً، فوقف يستمع إليه، فكان أول ما سمعه حين دخل الإيمان في قلبه رضي الله عنه هذا الحديث، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام)، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ورباهم وأدبهم، فكان من أوائل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به في المدينة قوله: (يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)، فإذا أردتم الجنة بغير تعب أو نصب أو مشقة أو حساب أو عقاب، فافعلوا ما أمر الله عز وجل به على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أول هذه الأشياء: إفشاء السلام، قال: (أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).