للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب الاستئذان]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الإمام النووي رحمه الله: [باب الاستئذان وآدابه.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:٢٧]، وقال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:٥٩].

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الاستئذان ثلاث، فإن أُذِنَ لك وإلا فارجع) متفق عليه.

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) متفق عليه].

هذا باب آخر من كتاب رياض الصالحين، ويذكر فيه الإمام النووي رحمه الله الاستئذان وآدابه.

قد عرفنا قبل ذلك أن الله سبحانه وتعالى نهانا أن ندخل بيوتاً حتى نستأنس ونسلم على أهلها، تستأنس فيأنسون منك، وتستأذن وتسلم على أهل هذه البيوت، فقال هنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:٢٧].

والاستئناس فيه الاستئذان، إذ تستأذن فيستشعرون منك بالأنس ضد الوحشة، وتشعرهم بوجودك وتستأذن ثم تدخل وتسلم عليهم، قال تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:٢٧]، أيضاً قال الله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:٥٩]، يعلمنا هذا الأدب في بيوتنا، وأننا نعلم صغارنا ونعلم من يدخل علينا في بيوتنا أن يستأذنوا وأن يسلموا، فالله سبحانه يأمرنا أننا لا ندخل بيوتاً غير بيوتنا حتى نستأنس ونسلم على أهلها، قال تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:٢٧].

وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور:٥٨].

والإنسان في بيته يدخل أي غرفة من الغرف ويطوف عليها، وطالما أن الغرفة مفتوحة فيستحب له أن يستأذن، لكن إذا كانت مغلقة لا بد أن يستأذن في الدخول، حتى لا يطلع على عورة، والمسلم يعلم أولاده في بيته، قال تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور:٥٨] أي: الأطفال الصغار الذين لم يبلغوا الحلم، وإن كان مرفوعاً عنهم القلم والتكليف، فهم لا يأثمون، ولكن مع ذلك يعودون ذلك، فتعود ابنك أنه لا يفتح غرفة في البيت ويدخل مباشرة، ولكن يدق الباب ويستأذن قبل أن يدخل، فإن أذن له فتح ودخل، وإن لم يؤذن له رجع ولم يدخل، فإذا كان صغيراً اعتاد على ذلك، وإذا بلغ الحلم صارت له عادة أنه لا يدخل أبداً غرفة مغلقة حتى يستأذن من فيها.

فرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن أمه معه في البيت هل يستأذن حتى يدخل على أمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتحب أن تراها عريانة؟)،

و

الجواب

لا، ليس هناك من يحب هذا الشيء، ولعلها قد خلعت ثيابها، لعلها تغير ثيابها، لعلها في حاجة من حوائجها داخل غرفتها، وأنت لا تحب أن تطلع على ذلك، ولا يحل لك ذلك، فلا تحب ذلك؛ لأنك ممنوع منه شرعاً وممنوع منه عادة أيضاً.

فهنا النبي صلى الله عليه وسلم علمهم هذا الأدب، أنه لا بد أن تستأذن قبل أن تدخل على الغرفة، ولا تقل: هذه الغرفة فيها ابنتي، هذه فيها أمي، هذه فيها أختي، بل لا بد أن تستأذن؛ لأنك إن رأيتها على غير الحالة التي اعتدت أن تراها عليها حدث في نفسك شيء ووقعت في الإثم بسبب ذلك.

يقول الله عز وجل: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور:٥٩]، إذا صاروا بالغين فيستأذنون وجوباً كما استأذن الذين من قبلهم.

قال الله سبحانه وتعالى يأمر العباد بهذا الاستئذان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النور:٥٨]، ففي هذه الآية إثارة الإيمان في قلب الإنسان وتهذيب روح الإيمان، يا من تقول: أنا مؤمن! نفذ أمر الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النور:٥٨]، فاصغِ السمع لما يقوله الله سبحانه، وقل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:٢٨٥].

من علامة هذا الإيمان: أن تسمع وتطيع، قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١].

فالمؤمن والمفلح والفائز هو الذي يسمع كلام الله عز وجل، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطيع لله والرسول عليه الصلاة والسلام.

من الأحاديث في هذا الباب: حديث لـ أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع).

أبو موسى الأشعري ذهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان أرسل إليه عمر فاستأذن ثلاث مرات، وعمر انشغل في أمر من الأمور وكأنه عرف أن أبا موسى موجود، ولكن انشغل في شيء فلم يرد، مرة واثنين وثلاثة، فـ أبو موسى رجع، فلما رجع إذا بـ عمر يسأل: ألم يكن هنا أبو موسى؟ فقالوا: انصرف، قال: ائتوني به، فجاءوا له بـ أبي موسى رضي الله تبارك وتعالى عنه، فسأله: ما الذي جعلك تنصرف وأنا أريدك في حاجة؟ فقال له: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع).

فـ عمر بن الخطاب قال: لتأتيني على ذلك ببينه وإلا أوجعتك؟ ويكفي أبو موسى أنه يحدث بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حاجة لمحدث آخر وهل لـ عمر ألا يقبل الحديث إلا من أكثر من واحد؟ لا، بل عمر يقبل الحديث من أبي موسى ومن غيره، ولكن خشي أن يكون في الناس من يحدث فيكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فشدد على أبي موسى تخويفاً لغيره ألا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بثبات ويقين.

وأبو موسى له مقام وله منزلة عند الناس، كما كان ربنا سبحانه وتعالى يعلم المؤمنين بالبدء من النبي صلى الله عليه وسلم، يأمره بشيء عليه الصلاة والسلام، يقول: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥].

وحاشا له أن يشرك عليه الصلاة والسلام، ولكن من باب إياكِ أعني واسمعي يا جارة يعني: اسمع هذا الشيء، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، ومستحيل أن يشرك بالله، فاسمعوا أنتم أيها المؤمنون! إن قيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:٦٥].

وهو من هو عليه الصلاة والسلام، فغيره أولى، فكل إنسان يخاف على نفسه من الشرك، فكأن عمر رضي الله عنه خشي أن يتساهل الناس بالتحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فخوف أبا موسى ليخاف غيره في تحديثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وذهب أبو موسى إلى الأنصار فوجد أبا سعيد الخدري ومجموعة من الأنصار فاستغاث بهم، وطلب أن يذهب معه واحدٌ منهم إلى عمر حتى يحدث عمر به، فقال له أبي رضي الله عنه: لا نبعث معك إلا أصغرنا.

فقام أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وحدن عمر بذلك، وجاء أبي بعد ذلك ينتهر عمر رضي الله عنه فقال: هذا أصغر من علم ذلك، وأنت لم تعرفه يا عمر! فلا تكن حرباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: لا تشدد عليهم حتى لا يستهين الناس بأصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكلهم ثقات وكلهم عدول، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتناصحون فيما بينهم، وكان يشدد بعضهم على بعض في النصيحة في إطار المحبة في الله سبحانه وتعالى.

هذا عمر أمير المؤمنين! وهذا أبي بن كعب سيد القراء، وعمر سماه بذلك، ويجيء أبو موسى الأشعري ليحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر يطلب منه أن يأتي ببينة، ويشهد له أبو سعيد بذلك، ويأتي أبي بن كعب فيقول لـ عمر: لا تكنْ حرباًَ على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عمر حرباً على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان مقصد عمر رضي الله عنه ألا يتساهل الناس في التحديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.

الغرض من الحديث: بيان أن الإنسان إذا استأذن عل