للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة)]

هذا حديث آخر لـ أنس رواه أبو داود ورواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده قال أنس رضي الله عنه: (لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة) هذه الكلمة (وهم أول من جاء بالمصافحة) ذكرها الإمام أبو داود في الحديث كأنها مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن في مسند الإمام أحمد بين أن أنساً هو الذي قال ذلك، فهذا يوضح ويبين أن الحديث المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: (جاءكم أهل اليمن) كأن هذا كان قبل مقدمهم وقبل مجيء أهل اليمن، كأنه قال لهم: غداً سيزوركم أهل اليمن أو وفد من أهل اليمن وذكر أنس رضي الله عنه هذا الحديث وقال: (وهم أول من جاء بالمصافحة) يعني: أنهم عندما جاءوا جعلوا يسلمون ويصافحون، فكانوا أول من فعل ذلك، والأمر ليس كذلك، بل كان هذا موجوداً عند العرب، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، ولكن كان قليلاً ولم يكن كثيراً، فهؤلاء جاءوا وفعلوا ذلك، فسلموا على من لقيهم، فكانت هذه سنة من سننهم التي هي انتشار هذا السلام.

ففي مسند الإمام أحمد عن أنس أيضاً: قال: (لما أقبل أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم أهل اليمن، وهم أرق قلوباً منكم) يعني: يذكر لهم أن الوفد الذين جاءوا من أهل اليمن هم أرق قلوباً منكم.

وفي حديث آخر: قال: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) فمدح النبي صلى الله عليه وسلم أهل اليمن الذين قدموا، وكانوا وفد الأشعريين، ومنهم: أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فهؤلاء الذين مدحهم النبي صلوات الله وسلامه عليه وقومهم الذين من ورائهم هم أرق قلوباً وأرق أفئدة رضي الله تعالى عنهم، وأكثر قبولاً لهذا الدين من غيرهم.

وفي مسند الإمام أحمد أيضاً عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سيقدم قوم هم أرق قلوباً للإسلام منكم) كأنه يقول لهم: أنتم لما دعوتكم في مكة إلى الإسلام بقيت فيكم ثلاث عشرة سنة، ومع ذلك لم يسلم إلا عدد قليل جداً، لكن أهل اليمن مجرد ما سمعوا بهذا الدين دخلوا في دين الله، وجاءوا بشوق للنبي صلوات الله وسلامه عليه، ففي مسند الإمام أحمد يذكر لنا ذلك فيقول أنس رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيقدم عليكم قوم هم أرق قلوباً للإسلام منكم) يعني: أسرع استجابة لدين الله عز وجل من أهل مكة وأهل المدينة، قال أنس: (فقدم الأشعريون منهم أبو موسى الأشعري) فلما قدم وفد الأشعريين على النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وقربوا من المدينة، فهم مع تلهفهم وشوقهم للقاء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون الرجز، وهو نوع من الشعر، فكانوا يرتجزون ويقولون: غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه من شدة شوقهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللقائه ولقاء أصحابه.

فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أحدثوا المصافحة، فهم عندما جاءوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلمون على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصافحون، فكأنهم نشروا هذا الشيء الذي كان قبل ذلك قليلاً، كان موجوداً ولكنه قليل، فهم نشروا المصافحة، فيقول أنس رضي الله عنه: (وكانوا هم أول من جاء بالمصافحة)