للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي)]

من الأحاديث حديث لـ صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات، فذكر الحديث إلى قوله: فقبلا يده ورجله، وقالا: نشهد أنك نبي) رواه الترمذي وغيره بأسانيد صحيحة.

ورواه الإمام أحمد في مسنده، وإسناد الحديث رجاله ثقات، غير التابعي الذي روى هذا الحديث فالحافظ ابن حجر ذكر أنه صدوق، ولكنه تغير حفظه أو ساء حفظه، فعلى ذلك يكون فيه ضعف يسير.

والقصة التي ساقها الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن سلمة، وعبد الله بن سلمة هو الذي قال عنه الحافظ: صدوق، ولكن كبر فتغير حفظه، وحدث عن صفوان بن عسال وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء:١٠١]).

وفي رواية أخرى يذكر أنه قال: (اذهب بنا إلى هذا الذي يزعم أنه نبي، فنسأله عن هذه الآية: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء:١٠١] فقال الآخر للأول: لا تقل: إنه نبي؛ فإنه إن سمعك صارت له أربعة أعين) هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء:١٠١]، وهنا الظاهر أن راوي الحديث حصل له شيء من الخلط في تفسير الآية مع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل آتى موسى تسع آيات بينات منها: اليد والعصا، لكن الحديث ذكر أشياء أخرى، فكأن راوي الحديث ظن أنهما أرادا أن يذهبا ويسألا النبي صلى الله عليه وسلم عن الآيات، مع أنهما سألاه عما حرم الله عز وجل على بني إسرائيل، فاختلطت عليه الآية مع الحديث فذكر ذلك.

ولكن القصة أنهما ذهبا للنبي صلى الله عليه وسلم ليبين لهما ما آتى الله عز وجل لموسى من أوامر ونواه لبني إسرائيل، فاليهوديان لما ذهبا للنبي صلى الله عليه وسلم فسألاه، قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله).

كأن هذه الأمور من الشريعة التي جاءت لموسى نزلت ليأمر بني إسرائيل بها، وليس في الحديث تفسير التسع الآيات التي جاء بها موسى على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، فقد آتاه الله عز وجل تسع آيات قال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} [الأعراف:١٣٣] هذه خمس آيات، وآتاه الله عز وجل اليد والعصا، اليد تخرج بيضا، والعصا تصير كالحية تسعى، هذه من الآيات التي آتاها الله عز وجل لموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

ولما نجى الله بني إسرائيل من فرعون، أنزل الله عز وجل على موسى آيات بينات واضحات مثل هذه الآيات التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه، ذكر بعضها في آية وبعضها في آية أخرى، وبعضها مما جاء أو فهم من القرآن، لكن هنا كأن السؤال عما أَمر موسى بني إسرائيل به من الشريعة التي هم تركوا منها أشياء، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى أمرهم وقال: (لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله) كأنه كان فيهم هذا الشيء، من أنهم يذهبون بالبريء ويشهدون عليه زوراً فيقتله السلطان وغير ذلك مما ذكر في الحديث.

ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: (وأنتم يا يهود، عليكم خاصة ألا تعملوا في السبت) أي: أن مما أمر الله عز وجل موسى أن يبلغ بني إسرائيل عقوبة لهم ألا يعملوا في السبت يعني: لا تعتدوا في السبت، ولا تعملوا عملاً في يوم السبت، كان عقوبة من الله عز وجل لهم؛ لأن الله سبحانه جعل لهم يوم الجمعة فقالوا: لا نريد الجمعة بل نريد يوم السبت، فقال لهم: يوم السبت هو عيدكم وممنوع عليكم أن تعملوا فيه، بخلافنا نحن أهل الإسلام فإن الله عز وجل جعل يومنا الجمعة ورضينا وقبلنا ذلك، وأباح لنا في هذا اليوم كل شيء، إلا ما هو حرام علينا في غيره من أيام الأسبوع، لكن اليهود رفضوا الجمعة فجعل عيدهم السبت وحرم عليهم أشياء.

كذلك النصارى رفضوا الجمعة وطلبوا الأحد، أما المسلمون فرضوا بعيد الله سبحانه وتعالى يوم الجمعة الذي خلق فيه آدم، وأنزل فيه آدم إلى الأرض، وتقوم الساعة في هذا اليوم، فكان عيداً لأهل الإسلام.

فنحن الآخرون ولكن يوم القيامة نحن السابقون؛ لأننا قبلنا دين الله سبحانه وتعالى كما أمر، ولم يبدل المسلمون ولم يغيروا، بل أخذوا دين الله على ما أراد الله سبحانه وتعالى.

الغرض في هذا الحديث لما قال اليهودي لصاحبه: (اذهب بنا إلى هذا الذي يزعم أنه نبي، فقال الآخر للأول: لا تقل: نبي؛ لأنه إن سمعك صارت له أربعة أعين) يعني: كأنه يقول: إنه تقر عينه ويفرح بهذا القول، وحين تقول: فلان هذا حار العين، فهذا يعني: أن عينه حارة من الحزن ومن الغيظ، أما لو قلت: فلان بارد العين، فهذا يعني: أن عينه قارة باردة راضية، كأنه تقر عينه وتفرح.

فاليهود يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله عز وجل من فضله، فلما سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأجابهما قبلا يديه ورجليه صلى الله عليه وسلم وقالا: (نشهد أنك نبي قال: فما يمنعكما أن تتبعاني؟) هناك فرق بين من يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبين أن يقول: أشهد أنك نبي، كأنهما قالا له: نحن صدقنا أنك نبي، لكن لا نسلم ولا ندخل في دينك، ففهم النبي صلى الله عليه وسلم ما قالا، فقال لهما: (فما يمنعكما أن تتبعاني؟) يعني: ما دام أنكما عرفتما أني نبي فلم تتركان اتباعي؟ فقالا يتمحلان لعدم الدخول في هذا الدين، مع أنهما يعرفان أنه الخاتم صلوات الله وسلامه عليه ولا نبي بعده، وعلى فرض أنهما لا يعرفان أنه الخاتم، مهما قالا: نشهد أنك نبي فالنبي معصوم وصادق، فإذا شهدا له بالنبوة فقد شهدا له بالعصمة وأنه لا يكذب، فهو يقول لهما ولغيرهما: أنا رسول إليكم فالواجب عليهما أن يؤمنا بالنبي صلوات الله وسلامه عليه وأنه رسول رب العالمين، وأن يدخلا في دينه، ولكن اليهود عرفوا أنه نبي وقال له بعضهم: نشهد أنك نبي ومع ذلك لم يدخلوا في دينه، فتمحلا بهذا القول وقالا: (إن داود عليه السلام دعا ألا يزال من ذريته نبي) لكن بعد ذلك أظهرا حقيقة الأمر وقالا: (إنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود) يعني: الذي منعهما من الدخول في دين الله سبحانه تبارك وتعالى الخوف من أن تقتلهما اليهود.

الشاهد في هذا الحديث أنهما قبلا يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله، ولم ينكر عليهما صلوات الله وسلامه عليه ما فعلا، فلذلك ذكر الإمام النووي جواز مثل ذلك.