للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استحباب سؤال أهل المريض عن حاله، وذكر ما يقوله من أيس من حياته]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الإمام النووي رحمه الله: [باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله: عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن! كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبح بحمد الله بارئاً)، رواه البخاري.

باب ما يقول من أيس من حياته: عن عائشة رضي الله عنه قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلي يقول: (اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى).

وعند أحمد زيادة: (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) الحديث متفق عليه.

وعنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت عنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت)، رواه الترمذي].

إن كل إنسان يعتريه المرض، وقد يصح من مرضه وقد يموت فيه، فالإنسان يتمسك بهذا الذكر العظيم الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المرض في حديث لـ أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال: لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه فقال: لا إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الله عز وجل: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال: لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قال الله: لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي، وكان يقول: من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار) رواه الترمذي وحسنه، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.

فلا بد من حفظ هذا الذكر العظيم، وليقله الإنسان المؤمن في مرضه لعله يتوفى في هذا المرض ويكون له أجر عظيم جداً، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يقولها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار).

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث ذكر معين إذا كان آخر شيء قلته وختم لك به دخلت الجنة، كقول: لا إله إلا الله، فهذا ذكر، وقراءة آية الكرسي بعد الصلوات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي دبر الصلوات المكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت).

فأنت إذا انتهيت من الصلاة وقرأت آية الكرسي، لو أنك مت في نفس اللحظة لدخلت الجنة، والمؤمن لما يجد مثل هذه الأحاديث فإنه يحرص عليها، ويحرص على أنه يقولها، ويذكِّر بعضنا بعضاً بذلك، فلما تجد إنساناً متعجلاً بعد الصلاة لحاجة ذكِّره وقل له: اقرأ آية الكرسي واختم الصلاة بها، فليس هناك شيءٌ يمنعك عن ذكر الله عز وجل، وإن كان وراءك قضاء حاجة فاقضها، لكن لا تنس أن تقول هذا الذكر العظيم آية الكرسي: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥].

وكذلك هذا الذكر العظيم تقوله في مرضك: (لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله) فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قالها في مرضه ثم مات من هذا المرض لم تطعمه النار)، فاحرصوا على هذا الذكر.

ومن الآداب أيضاً: استحباب سؤال أهل المريض عن حاله، واستحباب عيادة المريض، وجاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عيادة المريض كقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن ثوبان رضي الله عنه: (إن المسلم إذا عاد أخاه لم يزل في خرفة الجنة -أي في بستان من بساتين الجنة وفي جنى الجنة- حتى يرجع).

وأيضاً في حديث علي رضي الله عنه ذكر: (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشياً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة) أي: كانت لك بزيارتك له بستان في الجنة.

فعيادة المريض لها آداب، من ذلك: استحباب سؤال أهل المريض عن حاله، فقد يكون المريض لا يقدر أن يقابل العائد؛ لأن الأطباء منعوا من زيارته، أو منع الأهل من زيارته، فأنت أخذت الأجر بذهابك، وتسأل أهل المريض عن حال المريض، وكان الصحابة يفعلون ذلك مع أهل النبي صلى الله عليه وسلم، ففي مرض النبي صلى الله عليه وسلم يصعب عليه صلى الله عليه وسلم زيارة المسلمين جميعاً له ويشق عليه ذلك؛ لذلك كان أدب المسلمين أنهم يسألون الأقارب، فهذا علي بن أبي طالب كانوا يدخلون عليه فيسألونه رضي الله تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهنا في حديث ابن عباس الذي رواه البخاري: (أن علياً رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه -في مرض وفاته عليه الصلاة والسلام- فقال الناس: يا أبا الحسن -يسألون علياً رضي الله عنه- كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبح بحمد الله بارئاً) يعني: نرجو له أن يبرأ وأن يشفيه الله سبحانه وتعالى، وقال ذلك بحسب ظنه أنه أصبح في النهار وصحته جيدة فنرجو له أن يبرئه الله عز وجل من هذا المرض، ولكن لم يحدث، وكان هذا المرض الذي فيه وفاة النبي صلوات الله وسلامه عليه.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستند إليَّ يقول: اللهم اغفر لي وارحمني)، والمريض يدعو إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اغفر لي) وقد قال له ربه سبحانه: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:٢]، ومع ذلك يدعو بالمغفرة، فالمؤمن إذا كان مريضاً يدعو من باب أولى، فقال: (اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى).

إذاً: فدعاء الإنسان وهو مريض لعل هذا المرض مما يرجى برؤه، فعلى ذلك قد يصح هذا الإنسان من هذا المرض، وقد يموت، فليحرص على ذكر الله عز وجل، والدعاء بالمغفرة والرحمة، ويدعو بالشفاء، ويرقي نفسه، ويحسن الظن بالله سبحانه وتعالى.