للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثناء الناس على الميت]

ومن علامات حسن خاتمة الإنسان أيضاً أن يثني عليه الناس -من أهل الخير والإحسان- بالعمل الصالح والخير، والثناء هنا هو المدح بالصفات الصالحة التي كانت فيه، وليس معنى الثناء أن يمدحوه بأشياء هي بين الناس لطيفة وظريفة، ولكنها ليست عند الله عز وجل كذلك، ومثال ذلك: أن إنساناً توفي وكان الناس يحبون كلامه حيث كان يمزح كثيراً، ويضحك كثيراً، وكثير الشغب، وكثير المعاكسة للناس، فيضحكهم، فعندما يموت يفتقدون فيه ذلك، فهذا إذا أثنى عليه الناس فليس هذا الثناء هو المقصود من الحديث، ولكن الثناء المقصود: هو أن يثنى على الإنسان بعمل صالح كان يعمله، كأن يقال: فلان كان خيراً كان طيباً كان لا يؤذي جيرانه فلان كان يميط الأذى عن الطريق وكان يعود المرضى ولا يتكبر على أحد، فيثني عليه الناس والجيران والأقربون بصفات الخير التي كانت.

وفي ذلك حديث رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة، فأثني عليها خيراً)، أي: مدحه الناس بخير.

(وتتابعت الألسن بالخير)، أي: تمر الجنازة فيمكن أن رجلاً أو اثنين من الجالسين يعرفونه، ويمكن أن مجموعة كبيرة تعرفه، فهنا (تتابعت الألسن)، أي: كل شخص قال شيئاً، وأثنوا عليه بخير، فهذا يدعو له، وهذا يشكر له صنيعه في كذا، وهذا يحمد له صفات جميلة فيه.

فقالوا: (كان ما علمنا يحب الله ورسوله)، أي: على ما نعلم منه، وربنا يقول: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:٣٢].

ومن هذا يؤخذ أنك إن أردت أن تمدح شخصاً وتثني عليه فقل: أحسبه كذا، أو أظنه كذا، ويكون ذلك على وجه الظن لا على وجه الجزم.

قال: (فقالوا: كان ما علمنا يحب الله ورسوله)، صلوات الله وسلامه عليه.

قال: (ومر بجنازة فأثني عليها شرا) أثني: أي ذكر بشر، فتكلم الناس عنه أن هذا لم يكن إنساناً صالحاً، بل كان سيئاً، منافقاً، مرائياً.

قال: (وتتابعت عليه الألسن بالشر) أي: يذكرونه بشر.

(فقالوا: بئس المرء كان في دين الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، وجبت، وجبت) كررها ثلاثاً، وذكرها كذلك في الأولى، فقال عمر رضي الله عنه: (فداك أبي وأمي! مر بجنازة فأثني عليها خيراً، فقلت: وجبت، وجبت، وجبت، ومر بجنازة، فأثني عليها شراً، فقلت: وجبت، وجبت، وجبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيراً، وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً، وجبت له النار) ولكن ليس بكلامهم تجب له الجنة، وبكلامهم تجب له النار، وإنما بفعله هو، ففعل الإنسان هو الذي يدفع الناس؛ لأن يثنوا عليه خيراً أو شراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض).

قال: (من أثنيتم عليه خيراً، وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً، وجبت له النار، الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض، وأنتم شهداء الله في الأرض، وأنتم شهداء الله في الأرض).

وفي رواية: (إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر)، فنلاحظ من هذا الحديث: أن الذين كانوا يجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على بالهم أن فلاناً مات هذا اليوم أو لم يمت، ولم يكن على بالهم شيء، بل فجأة مُر بجنازة، فعرفوا صاحبها فقالوا: هذا كان سيئاً، هذا كان شريراً، هذا كان كذا وكذا، فكل واحد قال عنه شيئاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجبت) أي: وجبت له النار؛ لأنه بلغ من شره أن ذاع وشاع وانتشر بين الناس، فعلم الأقصى والأدنى أن فلاناً هذا كان سيئاً، فأثنوا عليه شراً.

والآخر انتشر منه الخير وذاع، وعرفه الناس بالخير، فلذلك أثنى عليه كل منهم بما عرف منه من خير، وهؤلاء قالوا في المؤمن: (كان ما علمنا يحب الله ورسوله)، وقالوا في الفاجر: (كان ما علمنا منافقاً) أي: كان يبغض دين الله عز وجل، فالذي أثنوا عليه خيراً وجبت له الجنة بعمله الخير وبثناء المسلمين عليه؛ لأن خيره ذاع بينهم وانتشر، فكان كأنه سن للناس سنناً حسنة يعملون بمثل هذا الخير الذي كان عليه، والآخر العكس من ذلك.

ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر ليس تأليفاً، أو أنه طلب من الناس أن يثنوا على صاحبهم خيراً لكي يدخل الجنة، بل الأمر هو أن الله سبحانه وتعالى ينطق الشخص بما يتكلم به ملك على لسانه، فالإنسان وهو غير منتبه يتكلم أن هذا الرجل كان إنساناً جيد، يرحمه الله كنا نراه يصلي معنا، وكان يدفع الزكاة، وكان يعمل كذا فينطق الله على لسان بني آدم ملائكة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر) فيجب لهذا الجنة بعمله وبثناء المؤمنين خيراً عليه، وللآخر النار بعمله وإساءته ووصم المؤمنين الشر به.