للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (لا تسبوا أصحابي)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا جرير ح وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو معاوية جميعاً عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)].

وهذا فيه فضل الصحابة المتقدمين.

وهذا الحديث له سبب، وهو أنه كان بين خالد بن الوليد رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف شيء من سوء التفاهم، فكأن خالداً تكلم على عبد الرحمن بن عوف، فالنبي صلى الله عليه وسلم خاطب خالداً ومن كان مثله من الذين تأخرت صحبتهم، فقال: (لا تسبوا أصحابي) يعني: لا تسبوا أصحابي الذين تقدمت صحبتهم، فهو خطاب للصحابة الذين تأخرت صحبتهم؛ لأن عبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين الذين أسلموا قبل الفتح وهاجروا.

والسابقون الأولون الصواب أنهم هم الذين أسلموا قبل الفتح قبل صلح الحديبية، فصلح الحديبية هو الحد الفاصل بين من أسلم قبل الفتح فهو من السابقين الأولين، وبين من أسلم بعد الفتح فليس منهم، فـ عبد الرحمن بن عوف ممن أسلم قبل الفتح وهاجر وأنفق، وخالد بن الوليد تأخر إسلامه فلم يسلم إلا بعد صلح الحديبية، وهناك أيضاً جمع ممن تأخر إسلامه ولم يسلم إلا بعد الفتح كـ أبي سفيان وابنيه: معاوية ويزيد، فإنهم أسلموا يوم الفتح، بعد إسلام خالد، فـ خالد لم يسلم إلا بعد صلح الحديبية وقبل يوم الفتح، وأبو سفيان ومعاوية أسلموا يوم الفتح.

فالصحابة طبقات، فالسابقون هم الذين أسلموا قبل الفتح قبل صلح الحديبية، وقيل: هم الذين صلوا إلى القبلتين، لكن هذا مرجوح، والصواب أنهم هم الذين أسلموا قبل الفتح، كما أخبر الله تعالى في كتابه الكريم وبين ذلك فقال: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:١٠].

ثم قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:١٠] يعني: السابقون واللاحقون كلهم موعودون بالجنة.

فلما حصل سوء تفاهم بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كأن خالداً سبه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال يخاطب خالداً: (لا تسبوا أصحابي) أي: لا تسبوا أصحابي الذين تقدمت صحبتهم، وهذا خطاب لمن تأخرت صحبتهم، يقول: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده) وهو عليه الصلاة والسلام الصادق وإن لم يقسم، ولكن أقسم للتأكيد، وفيه إثبات صفة اليد لله عز وجل، فأنفس العباد بيد الله، قال: (فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم) أي: أيها المتأخرون في الصحبة، (مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، النصيف: النصف، والمد: هو ملء كفي الرجل المتوسط والصاع أربعة أمداد، فلو أنفق عبد الرحمن مداً -مثلاً- من الدراهم أو من الذهب أو نصف المد، وأنفق خالد مثل أحد ذهباً، لسبقه عبد الرحمن؛ لتقدم صحبته، هذا وهم صحابة، فكيف بمن لم يكن من الصحابة ممن بعدهم؟ والحديث فيه فضل الصحابة رضوان الله عليهم، وأنهم متفاضلون، وفيه فضل عبد الرحمن بن عوف وأنه من السابقين الأولين رضي الله عنه وأرضاه، وهو ممن شهد بدراً، وأما خالد فإنه فاته ذلك، فلم يشهد بدراً؛ لأنه تأخر إسلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>