للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (الأنصار شعار والناس دثار)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال: حدثنا ابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الأنصار شعار والناس دثار، ولو أن الناس استقبلوا وادياً أو شعباً واستقبلت الأنصار وادياً لسلكت وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار)].

وهذا الحديث رواه الشيخان، وفيه فضل الأنصار، وأن لهم فضلاً على غيرهم، وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم وله سبب، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم يوم حنين وأعطى المؤلفة قلوبهم، ليتألفهم عليه الصلاة والسلام على الإسلام، حتى يتقوى إيمانهم، والذين أسلموا قديماً لم يعطهم بل وكلهم إلى إيمانهم، ولم يعط الأنصار، فتكلم بعض شباب الأنصار حدثاء الأسنان وقالوا: غفر الله لرسول الله؛ يعطي صناديد قريش ويتركنا! فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجتمعوا في خيمة ضربت لهم، وقال: لا يأت معهم غيرهم، فخطبهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما كلمة بلغتني عنكم أنكم قلتم كذا وكذا؟ فقال الأنصار رضي الله عنهم: يا رسول الله! أما العقلاء فلم يتكلم أحد، وأما شباب منا حدثاء الأنسان فقالوا: غفر الله لرسول الله يعطي صناديد قريش ويتركنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد كنتم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي، وكنتم متفرقين فجمعكم الله بي).

يعني: أنا أتألفهم بشيء من لعاعة الدنيا، على الإسلام، ثم قال: (ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ الأنصار شعار والناس دثار).

والشعار هو: الثوب الذي يلي الجسد، والدثار: الثوب الذي فوقه، يعني: هم أقرب وألصق الناس به عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم خاصته.

ثم قال: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ثم قال: اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار).

فبكوا رضي الله عنهم، حتى أخضلوا لحاهم، وقال: (لو شئتم لقلتم: كنت طريداً فآويناك، وكنت فقيراً فأغنيناك، وكنت وكنت، وكلما تكلم النبي قالوا: الله ورسوله أمن) وبكوا رضي الله عنهم حتى أخضلوا لحاهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وفي هذا فضل الأنصار.

ثم قال: (أيها الناس! أنا أعطي الناس شاة وبعيراً أقسمها عليهم، يذهبون بالشاة والبعير إلى بيوتهم، وأنتم تذهبون بنبي الله إلى دياركم)، وفي اللفظ الآخر: (فوالله! لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به)، أي: أنتم تنقلبون وترجعون بالرسول عليه الصلاة والسلام، وهم يرجعون بالمال، أي: أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يقسم الغنائم ويتألف على الإسلام، فأعطى بعض الصناديد وبعض رؤساء القبائل الذين أسلموا، كل واحد أعطاه مائة من الإبل؛ حتى يتقوى إسلامه وإيمانه.

فـ عيينة بن حصن أعطاه مائة، وهكذا جماعة من رؤساء القبائل في نجد أعطاهم مائة مائة من الإبل؛ لأنهم أسلموا حديثاً؛ حتى يتقوى إيمانهم.

وهذا الحديث في سنده عبد المهيمن وهو ضعيف، لكن الحديث ثابت؛ فقد رواه البخاري في صحيحه، ومتن الحديث صحيح مع اختلاف في بعض الألفاظ من تقديم وتأخير.

وهو ثابت في البخاري بهذا اللفظ: (الأنصار شعار والناس دثار، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار).

قوله: (الله ورسوله أمن) هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي عهده يقال: الله ورسوله أمن؛ لأن هذا النص دل على هذا، وهذا كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة:٥٩].

فالمن يكون لله ورسوله، لكن في حياته؛ لأنه كان يعطيهم شيئاً من المال، بخلاف الرغبة؛ فإنه يقال: إنا إلى الله راغبون، ولا يقال: إنا إلى الله ورسوله؛ لأن الرغبة خاصة بالله، والمنة تكون لله ولرسوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>