للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إسناد آخر لحديث: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه حجابه النور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره) ثم قرأ أبو عبيدة: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:٨]].

وهذا جاء في الحديث السابق، وفي سنده المسعودي وقد اختلط لكن وكيع ممن روى عنه قبل الاختلاط فلا محذور في ذلك، وهو في معنى الحديث السابق.

والآية: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:٨]، النار هذه هي التي رآها موسى عليه الصلاة والسلام في الدنيا عند جبل الطور، وهو قد سار بأهله في ليلة باردة مظلمة، وقد ظل الطريق لا يدري أين هي ولم يجد أحداً يهديه إلى الطريق، فرأى ناراً حول جبل الطور، فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً، قال لأهله: امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر يهدينا إلى الطريق، أو لعلي أقتبس منها جذوة نستدفئ فهم كانوا في الشتاء، وفي آية النمل: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:٨] ناداه الله: أن بورك من في النار؛ لأن هذا الوادي مقدس مبارك، فهذه النار هي غير النار التي فيها حجابها النور، فلا يظهر وجه قراءة أبي عبيدة لهذه الآية أي مناسبة.

والشاهد: أن هذا فيه إطلاق الصفات وفيه الرد على الجهمية؛ لأن مما أنكرت الجهمية من الصفات أنه يخفض ويرفع، فهو يخفض ويرفع كما يليق بجلاله وعظمته، وفيه: أن الله تعالى احتجب من خلقه بالنار أو النور، وفيه أنه نزه نفسه عن النوم، وأنه لا ينبغي له أن ينام، فالذي ينام هو المخلوق الضعيف الذي يحتاج إلى نوم ليريح أعضاءه، أما الخالق سبحانه فلا يلحقه نقص ولا عجز، ولا تعب ولا نوم ولا موت، فهو سبحانه وتعالى الحي القيوم، القائم بنفسه المقيم لغيره.

أما القول: بأن كل صفة تنطبق على المخلوق لا نقص فيها بوجه من الوجوه فالخالق أولى بها، فيختلف الأمر فبعضها صفة نقص وإن كانت كمالاً في الإنسان وبعضها تكون صفة كمال، فالولد صفة كمال في المخلوق، ولا تليق بالرب سبحانه وتعالى، فالذي يولد له أكمل من الذي لا يولد له، وكذلك النوم، ولكنها نقص في حق الله تعالى.

وهناك صفة كمال في المخلوق الخالق أولى بها، فإذا ثبت للمخلوق أنه يوصف بالعلم، ويوصف بالقدرة، فالخالق أولى بأن يوصف بهذه الصفات مع الكمال دون النقص.

قوله: (لو كشفها) وفي الحديث الآخر (لو كشفه) -يعني: النار- إذا كان في اللفظ حجابه النار، والنور والنار بمعنى واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>