للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اللحية من النعم العظيمة التي أنعم الله بها على الرجال]

اللحية من نعم الله تبارك وتعالى العظيمة على الرجل، وهي مما زين الله به الرجل وأكرمه به، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:٧٠].

قال بعض العلماء: من تكريمه لبني آدم: خلقه لهم على أكمل الهيئات وأحسنها.

وذكر بعض العلماء اللحية في تفسير هذه الآية كنوع من أنواع هذا التكريم، كما ذكر الإمام البغوي عند قوله تعالى: ((كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)) قال: يعني: كرمنا الرجال باللحى، والنساء بالذوائب.

وقال أبو حيان: وقيل: اللحية للرجل، والذؤابة للمرأة.

وكذلك قال القرطبي.

وتأمل هذه الآية: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة:١٣٨]، وقال عز وجل: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التغابن:٣]، ولهذا أحسن وأكمل صورة يظهر بها الإنسان هي التي خلقه الله عز وجل عليها.

ويقول تبارك وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:٤].

ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٦ - ٨]، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل خلق الله عز وجل حَسَن).

وقد كان السلف رحمهم الله يعرفون هذه المعاني الواردة في مثل هذه الآيات، فلهذا كانوا يعظمون شأن اللحية، ويعتنون بها، يقول عمرو بن دينار: كان قيس بن سعد رجلاً ضخماً جسيماً، صغير الرأس، ليس له لحية، إذا ركب حماراً خطت رجلاه الأرض.

قال الشيخ ابن فوزان حفظه الله: كان قيس بن سعد أشطاً، والأشط: الذي لا لحية له، وإذا كان الرجل دون البلوغ وليس له لحية فإنه يسمى أمرداً، لكن الذي بلغ وليس له لحية يسمى: أشطاً.

قالت الأنصار: نعم السيد قيس، لبطولته وشهامته، ولكن لا لحية له، فو الله! لو كانت اللحية تُشترى بالدراهم لاشترينا له لحية ليكمل رجلاً.

وكان الأحنف بن قيس سيد قومه، وكان أعور أحنف دميماً قصيراً كوسجاًً، والكوسج: الذي لا شعر على عارضيه، قال الأصمعي: قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب، فما رأيت صفة تُذَمُّ إلا رأيتها فيه: كان ضئيلاً صعل الرأس -يعني: صغير الرأس- متراكب الأسنان، مائل الذقن، ناتئ الوجنة، باحق العين -أي: أعور العين- خفيف العارضين، أحنف الرجلين، فكان إذا تكلم جلّى عن نفسه.

وقد وصف بعض بني تميم من رهط أو من قبيلة الأحنف بن قيس: فقال وددت أنا اشترينا للأحنف لحية بعشرين ألفاً، فلم يذكر حنفه ولا عوره، وذكر كراهية عدم اللحية؛ لأن من لا لحية له، يرى عند العقلاء ناقصاً.

وقال أبو نعيم: حدثتنا أم داود الوابشية قالت: خاصمت إلى شريح وليس له لحية.

ذكر عن شريح القاضي قال: وودت أن لي لحية بعشرة آلاف درهم.

والمقصود من هذه الآثار كلها: أن اللحية نعمة جليلة تفضل الله عز وجل بها على الرجال، فحلق هذه النعمة كفر بها في الحقيقة عند العقلاء، وانتكاس عن سنة مَنْ هديه خير الهدي صلى الله عليه وآله وسلم، وانحطاط إلى مستوى الكفرة الغربيين وغيرهم من الذين زين لهم سوء أعمالهم، فرأوا أن التمدن والكمال في القضاء على أكبر الفوارق بين الرجل والمرأة، على حدّ قول الشاعر: يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحَسَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>