للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ترك الصلاة كفر]

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده.

أما بعد: فقد تكلمنا فيما مضى عن خصائص وفضائل الصلاة بالنسبة لسائر العبادات، وذكرنا جملة من فضائل الإتيان بالصلاة وما يترتب عليها، ومن المناسب أن نتكلم بعد أن أخذنا الترغيب في الصلاة أن نتناول جانب الترهيب من ترك الصلاة، وبيان شؤم ترك الصلاة.

أول شؤم ترك الصلاة إنها تركها كفر، فقد قال الله سبحانه وتعالى في حق المشركين: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:١١].

قوله: (فَإِنْ تَابُوا) أي: تابوا عن شركهم وكفرهم.

قوله: (وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) معتقدين وجوبها آتين بأركانها.

قوله: (وَآتَوْا الزَّكَاةَ) أي: المفروضة.

قوله: (فإخوانكم في الدين) أي: إخوانكم في دين الإسلام، هذا منطوق الآية، ومفهومها أن من أصر على ترك الصلاة أو على ترك الزكاة فليس من إخواننا في دين الإسلام.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) متفق عليه.

فانظر كيف علق عصمة الدم والمال على الإتيان بالشهادتين وبالصلاة وإيتاء الزكاة.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، رواه مسلم أيضاً.

وفي لفظ: (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).

وعن محجن بن الأبرع الأسلمي: (أنه كان في مجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فؤذن للصلاة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع ومحجن في مجلسه فقال له: ما منعك أن تصلي؟ ألست برجل مسلم؟! قال: بلى، ولكني صليت في أهلي -يعني: صلى في مسجد أهله- فقال له: إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت).

قوله: (إذا جئت فصل مع الناس) يعني: من صلى ثم تحول إلى مكان آخر وأقيمت الصلاة فليصل مع الجماعة الحاضرة، ولا يتخلف عن ذلك، لكن الصلاة الثانية تكون بنية النافلة؛ لأن الفريضة لا تصلى مرتين.

والشاهد في هذا الحديث قوله: (ما منعك أن تصلي؟ ألست برجل مسلم؟).

يعني: لو كنت مسلماً لصليت.

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة) وروي عنه بلفظ: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من ترك الصلاة فلا دين له).

وعن عبد الله بن شقيق قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).

وهذا المعنى استقر في قلوب الصحابة رضي الله تعالى عنهم، حتى إن نجاة غير المصلي من النار في نظرهم مما يلغز به ويذكر على أنه خلاف الأصل، قال الدينوري: كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط؟ -يعني: كأن هذا شيء لا يتصور وقوعه- فسكت الناس، فيقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: هو أخو بني عبد الأشهل عمرو بن أقيش رضي الله عنه، كان له رباً في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه، يعني قال: لن أدخل في الإسلام حتى أستوفي هذا المال الربوي، فجاء يوم أحد فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد.

قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد.

قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته -وهي الدروع التي تلبس في الحرب- وركب فرسه ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو! قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحاً، فجاءه سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقال لأخته: سليه: أقاتلت حمية لقومك أو غضباً لهم أم غضباً لله عز وجل؟ فقال: بل غضباً لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فمات فدخل الجنة وما صلى لله عز وجل صلاة) وهذا الأثر حسن.

الشاهد: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يعتقدون أن الشخص الذي لا يصلي ويدخل الجنة لغز! وأبو هريرة كأنه يتحداهم عندما قال: (حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط، فسكت الناس ولم يستطيعوا الجواب على أبي هريرة، فحكى لهم قصة هذا الصحابي، وختمها بقوله: فمات فدخل الجنة وما صلى لله عز وجل صلاة!).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له).

وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: من ترك الصلاة فقد كفر.

وقال أيوب: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه.

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أخشى ألا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من الجنابة، ولا تتعلم القرآن.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وتارك الصلاة على صحة البدن لا تجوز شهادته، ولا يحل لمسلم أن يؤاكله، ولا يزوجه ابنته، ولا يدخل معه تحت سقف.

هذه المعادلة يستحقها المجرم الأثيم الذي تهون عليه الصلاة، فمن هانت عليه الصلاة لم يعز عليه شيء، كيف يهون عليه أن يعيش من غير صلاة وهو يتقلب في نعم الله سبحانه وتعالى، وفي العافية التي أعطاه الله إياها، والمال والرزق والشمس والهواء؟! كل هذه النعم يتمتع بها وهو لا يستحقها؛ لأن تارك الصلاة لا مسوغ ولا معنى لحياته بدون صلاة، ومعنى كلام الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: أن تارك الصلاة ينبغي أن تحصل له نوع من المقاطعة الجماعية من جميع المسلمين؛ زجراً له عن هذه الجريمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>