للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقوال أهل العلم في تارك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها

ليس هذا أوان مناقشة حكم تارك الصلاة من الناحية التفصيلية، فإن هذا له مناسبة أخرى نرجو أن تأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى، وهو ما يتعلق بقضية الكفر والإيمان، ويعبر عنها أحياناً بالأسماء والأحكام، فأقول: قطعاً يطلق على تارك الصلاة أنه كافر، ولا شك في وصفه بأنه كافر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وصفه بأنه كافر، لكن ما نوع هذا الكفر؟ هل من ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها مسلم أم كافر خارج من الملة؟ يوجد خلاف بين العلماء كما هو معروف، والخلاف في حق من ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها، أما من تركها جحوداً -بمعنى أنه لا يعتقد أن الصلاة واجبة عليه أصلاً- فهذا كفر مخرج من الملة؛ لأنه إنكار لما علم من الدين بالضرورة، لكن الكلام والخلاف في حق من ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها، فهذه مسألة فيها خلاف بين العلماء، منهم من يرى كفره كفراً أكبر، وأنه كافر مشرك، وأنه إذا مات لا يورث، ولا يرث، وتنقطع الولاية بينه وبين المسلمين، وأنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وهذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو مخلد في جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وغيرهم من أصناف أئمة الكفر، هذا مذهب بعض العلماء.

أما الفريق الآخر من العلماء فإنه يرى أنه فاسق، وأن كفره كفر دون كفر وليس كفراً مخرجاً من الملة، بل هو باق في دائرة الإسلام مع أنه فاسق عاص فاجر ينبغي أن يزجر عن هذا الفعل، وإن أصر على ترك الصلاة فيقتل حداً بسبب تركه الصلاة، لكن مع ذلك يقولون: إن ترك الصلاة أسوأ وأخطر من الزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس التي حرم الله وأكل الربا، وترك الصلاة جريمة من أشنع الجرائم، هذا قول من يقول: إن تارك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها لا يكفر كفراً أكبر، فنحن نهمس في أذن تارك الصلاة ونقول له: هل يرضيك أن يكون انتسابك إلى ملة الإسلام وإلى دين التوحيد وإلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم محل خلاف بين العلماء، فيه راجح ومرجوح، هذا يقول: كافر.

والثاني يقول: لا، بل هو فاسق؟! فهل يقبل الإنسان الذي عنده كرامة ومروءة أن يكون انتماؤه للإسلام قضية خلافية؟! فريق يقول: إنك كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنك لا تستحق الحياة، بل على ولي أمر المسلمين أن يقتلك ردة، ولا يجوز لك أن تتزوج من مسلمة، ولا تصلح ولياً شرعياً لأولادك، وإنك لا ترثهم ولا يرثونك، وإنك لا تغسل ولا يصلى عليك ولا تدفن في مقابر المسلمين، وإنك مستحق للخلود في جهنم مع فرعون وهامان وأبي جهل وأبي لهب وسائر أعداء الدين، وفريق آخر يقول: بل أنت فاسق عاص فاجر يجب قتلك حداً إن أصررت على ترك الصلاة.

يقول بعض العلماء: يا تاركاً لصلاته إن الصلاة لتشتكي وتقول في أوقاتها الله يلعن تاركي وإن كان هذا الكلام قد يتساهل فيه في جانب الترهيب، إلا أنه ينبغي ألا يخبر عنه إلا بوحي، لأن قوله: إن الصلاة تقول: الله يلعن تاركي، غيب، ولابد أن يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

إذاً: هذا هو أول شؤم لترك الصلاة، وهو كونها كفراً بالله عز وجل، فتارك الصلاة كافر، ويطلق عليه كافر على القولين، سواء من يكفرونه كفراً أكبر أو من يكفرونه كفراً دون كفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>