للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ترك الصلاة سبب للحرمان من رؤية الله في الجنة]

عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه أنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته -أو لا تضارون في رؤيته-، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:٣٩]) متفق عليه.

قوله: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر) يعني: حين استتم القمر بدراً.

قوله: (إنكم سترون ربكم كما سترون هذا القمر) هنا ليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي معاذ الله، لكن المقصود تشبيه الرؤية بالرؤية، ووجه الشبه هو شدة الوضوح، يعني: إذا كانت السماء صحواً ليس دونها سحاب، وإذا كان القمر بدراً مكتملاً ليس هلالاً دقيقاً لا يرى إلا بصعوبة؛ فلا شك أن رؤية القمر في هذه الحالة تكون واضحة تماماً، فوجه الشبه بين الطرفين هو شدة وضوح الرؤية في كل منهما.

زاد ذلك المعنى وضوحاً قوله صلى الله عليه وسلم: (كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته) قوله: (لا تضامون) بتشديد الميم وتخفيفها، فعلى معنى التشديد: (لا تضامّون) يعني: لا ينضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون وقت النظر إليه؛ لأن الناس إذا كانوا يتراءون الهلال في أول ليلة متوقعة من الشهر، فإنهم يحتاجون إلى أن ينضم بعضهم إلى بعض، وأن يزدحم بعضهم إلى بعض؛ لأن الرؤية غير واضحة، أما رؤية الله عز وجل فهي كرؤية القمر في الصورة التي ذكرنا واضحة، لا تحتاجون إلى أن ينضم بعضكم إلى بعض، ولا أن تزدحموا وقت النظر إليه.

أما على رواية التخفيف: (لا تضامُون) يعني: لا ينالكم ضيم في رؤيته؛ لأن الضيم: هو الظلم، فلا يقع الضيم بأن يرى بعضهم دون بعض، فيظلم أو يحرم الذي لا يرى، فالمؤمنون ينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة أو في الجنة جميعهم يستوون في رؤيته، ليس بعضهم يرى دون البعض الآخر، ولا شك أن التشبيه هنا غير تام، بل التشبيه هنا في مطلق الرؤية، وفي شدة وضوح الرؤية، بما يليق بالله تبارك وتعالى، لكن قطعاً هي رؤية حقيقة كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢].

ورؤية أهل الجنة لربهم تبارك وتعالى هي الغاية العظمى التي شمر إليها المشمرون، وتنافس عليها المتنافسون، وتسابق فيها المتسابقون، ولمثلها فليعمل العاملون، إذا نالها أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم.

أما من حرم وحجب عن الرؤية من أهل النار، فهذا الحرمان أشد عليهم من عذاب الجحيم، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥].

عن الحسن رحمه الله تعالى قال: لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم يوم القيامة لماتوا.

يعني: حزناً وكمداً.

وفي رواية عنه: لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم يوم القيامة لذابت أنفسهم.

وعن نافع -وكان من عباد الجزيرة- أنه كان يقول: ليت ربي جعل ثوابي من عملي نظرة مني إليه، ثم يقول لي: يا نافع كن تراباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>